هذا العنوان ليس للإثارة أو التصعيد ولا حتى محاولة لبث القلق والهلع بين المواطنين، ولكنها حقيقة مرعبة وفي نفس الوقت مخجلة، ويجب أن تؤخذ بأقصى درجات الجدية وتحمل المسؤولية وعلى أعلى مستويات القرار.

Ad

نعم الكويت قد تعيش في ظلام دامس وحرارة لا تطاق لسبب بسيط، وهو انقطاع خدمة الكهرباء عن مناطق سكنية واسعة وبشكل غير مسبوق ولا يفيد معه البرمجة أو القطع المؤقت أو الحلول الترقيعية التي تبعث على الأسى والفضيحة لبلد صغير يتمتع بثروة مالية ضخمة ويكاد ينعدم فيه القرار الاستراتيجي الثابت.

فخلال العقدين القادمين من المتوقع أن يقفز معدل الطلب على الطاقة الكهربائية إلى مستوى 30 غيغاوات، وهو رقم قياسي كويتي من شأنه أن يشل البلد برمته وعلى أكثر من صعيد، وتأتي خطة التنمية المقترحة لتؤكد هذه المأساة إذا ما نفذت ولو بنسبة 50% فقط.

وإذا تصورنا التوسعة العمرانية المأمولة لبناء 70 ألف وحدة سكنية وإنشاء عشر مستشفيات مركزية جديدة ومطار دولي إضافي وميناء بحجم بوبيان وأخيراً مترو الأنفاق المعتمد على الطاقة الكهربائية دون إضافة بقية المشاريع الواردة في الخطة من جهة، وبرنامج عمل الحكومة في توفير الطاقة من محطات جديدة أو توسعة القائمة منها من جهة أخرى، نجد أن الفارق بين البرنامجين كبير وخطير ولا يمكن تحقيق معادلة توفير الكهرباء بأي حال من الأحوال.

وحتى الحلول التقليدية الرتيبة التي قد تلجأ الحكومة إلى الإعلان عنها إبراءً للذمة فلها تبعات كارثية يجب التحذير منها من الآن، فمن السهولة أن تصرح الحكومة بأنها ستنشئ خمس محطات توليد للطاقة بما في ذلك المصفاة الرابعة التي بدأ التسويق لها من جديد، ولكن هذه الاستراتيجية قد تسبب مصيبة مالية كبرى لا تتحمل تبعاتها الدولة، حيث كلفة هذه المحطات قد تصل إلى عدة مليارات من الدنانير إضافة إلى استنزاف ما مجموعه بين ثلث إلى نصف إنتاج الكويت من النفط الخام لتغذيتها دونما عائد أو مردود اقتصادي، ومع ذلك كله لا نضمن توفير الاحتياجات المطلوبة من الكهرباء للدولة بشكل ثابت ومستقر.

وقبل عشر سنوات حذر وزير الكهرباء والماء المرحوم د. حمود الرقبة من كارثة كهربائية خلال عقد من الزمان ولم يُسمع لرأيه، وهو المسؤول الأول عن هذا القطاع، فتحققت نبوءته وحلت الكارثة التي لانزال ندفع ثمنها من الأموال العامة والمعالجات العشوائية وردود الأفعال، ولكن كارثة العقد القادم بكل المقاييس العلمية ولغة الأرقام ستكون أشد وأخطر بكثير وخارج حدود السيطرة.

ولذلك، فإن مسؤوليتنا التاريخية تحتم اتخاذ خطوات جريئة وقرارات شجاعة وحسم الجدل البيزنطي بين القيادات الفنية سواء في وزارة الكهرباء أو الشركات النفطية أو المؤسسات العلمية والبحثية مثل جامعة الكويت ومعهد الأبحاث... ولعل من البدائل التي يجب على صانع القرار جمع المتصارعين والمتنافسين علمياً ومصلحياً حولها، بل إرغامهم على التفاهم فيما بينهم فوراً، استراتيجيتين متوازيتين هما الترشيد والبحث عن مصادر الطاقة البديلة.

فاستراتيجية الترشيد هنا ليست ذلك البرنامج الفاشل الذي انبعثت منه روائح التنفيع، إنما هي تدشين التقنية الحديثة في التمديدات والبنية التحتية إضافة إلى اللجوء إلى المباني الذكية ومراقبة الاستهلاك وإعادة التفكير في نظم الدفع بمزايا للمتجاوبين معها.

أما استراتيجيه الطاقة فيتعين استبدالها بمصادر أخرى- وإن كانت كلفتها اليوم كبيرة، ولكنها بالتأكيد ستكون ذات مردود اقتصادي على المدى البعيد- مثل الطاقة الشمسية أو المائية التي تتمتع بها الكويت بفضل رب العالمين وقبل فوات الأوان مثل كل مرة!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة