لماذا «الراوندي»؟
"الراوندي" استطاع في وقت قصير جداً أن يفرض نفسه كأحد أشهر ملحدي الخليج والعالم العربي في عالم التدوين، يتضح من كتاباته انه متعلم وقارئ ومثقف بعض الشيء، لكن الأوضح هو غضبه وسخطه على أهله، ودينه، وبلده، بشكل غريب لشاب في عمره أمامه الكثير ليتطلع إليه.في حركة أكثر غرابة، أعلن أخيراً اسمه الكامل وعنوان إقامته، ونشر صوراً له ولشهاداته وهوياته الشخصية وهو ما يعد انتحاراً في دولنا الإسلامية، فما الذي يدفع شاباً متعلماً وفي مقتبل العمر إلى اليأس والانتحار؟ ما وراء غضبه اللامتناهي وإلحاده العلني بكل ما يشكل أساساً لهوية مجتمعه؟
ما أوصله إلى هذه المرحلة -كما يشرح بإسهاب في مدونته- هو النفاق الاجتماعي السياسي والديني الذي يتباكى على حجاب المسلمات في فرنسا وتركيا، بينما يستغل ويضطهد المرأة علناً في بلاد الإسلام بغطاء شرعي وقانوني، ويتشدق بحقوق الإنسان والإنسانية ثم يمارس العبودية بأسوأ أشكالها تحت نفس الأغطية، ويدعو إلى الحوار والتسامح وبنفس الوقت يلاحق ويقاضي تابعي الأديان أو حتى الأفكار الأخرى، ما دفعه إلى حافة الجنون سكوت المسؤولين عن الفتاوى الإسلامية التي تشجِّع وتجنِّد الشباب للعراق وأفغانستان ليتساقطوا "شهداء" في عمر الورد. أفقده صوابه أن يسمع بالسماح بنكاح الرضيعة، وتحريم مواد التنظيف الكحولية، وتحليل شرب البول، قتله أن يرى ضياع شباب العرب وهواياتهم في الوقت الذي مازال شيوخها يناقشون قضايا الطمث والنفاس ومبطلات الوضوء، وكأنها من مستجدات القرن الحادي والعشرين."الراوندي" باعترافه مدمن على الكحول، وكتاباته وأسلوبه خارجان على كل حدود الأدب واللياقة والذوق العام، لكنه في النهاية حالة تمثل الكثيرين مثله في مراحل مختلفة من تدمير الذات والانتحار البطيء. زواره وشبكته تمثلان في الأغلب شبابا متعلمين في مقتبل العمر، امتلكوا جرأة التفكير والاطلاع خارج حدود المنهج الدراسي والكتاب الرسمي، فكان لهم تساؤلات وملاحظات وآراء في معظمها غير شعبية، لكنها تبقى مشروعة، قابلهم كبار و"حكماء" الأمة بالتهكّم والتكفير والاستصغار والإرهاب، فلم يعُد لهم سوى الكفر بكل شيء واليأس والانتحار.التفكير خارج "السرب" نعمة ساعدت البشرية على التطور والارتقاء، والتفكير والنقد خصلتان طيبتان كسرتا الكثير من العادات والتقاليد البالية، وفتحتا للبشرية أبواب الإبداع والابتكار، كيفية التعامل مع هذه الخصال هو الفرق بين المجتمعات التي يكتب لها التطور والبقاء، وتلك التي تأكل نفسها حتى تنقرض. أما الخوف على "القيم الأصيلة" و"الحقائق التاريخية" فهو مجرد ستار للرعب من التجديد والتغيير، فالحق واضح والحقيقة ساطعة يصل إليهما العاقل بقلبه قبل عقله، وإن تاه عنهما بعض الوقت، ألا يستحق منّا الشباب بعض الوقت والتسامح؟ كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء