شهدت حقبة الخمسينيات إجمالاً، نهوضاً تنموياً ملحوظاً، لعب فيه وجود الشيخ عبدالله السالم، بثقافته واتّساع أفقه وسفره المتواصل، دوراً أساسياً ورئيساً، بل إن طموح عبدالله السالم كان يستهدف الحصول على الاستقلال مبكراً، قبل 1961، وسنعود إلى مفاصل ذلك الحراك التنموي، ونحلّل جوانب قوتها وضعفها، إذ كان لها نقاط ضعف كما كان لها نقاط قوة.

Ad

المُلاحَظ هنا أنه، رغم كل التحولات التنموية، وتأسيس قواعد البنية التحتية من شوارع وتعليم ومؤسسات وميزانية وجريدة رسمية ومستشفيات ورعاية صحية وأنظمة وظيفية وقواعد قانونية، فإن التحولات السياسية كانت تعاني ضعفاً شديداً، وهشاشة عظام، إذ ظلَّ، كما أسلفنا، الحكم مطلقاً، وظلت المشاركة السياسية في حدودها الدنيا، بل إنه في عام 1959، أي أواخر تلك الحقبة، اتُّخذت إجراءات شديدة القمعية، تم بموجبها إغلاق كل الأندية والصحف بالشمع الأحمر، من دون سابق إنذار.

كما كان واضحاً أن التحرك الجاد نحو الانفتاح السياسي لم يبدأ إلَّا مع دخولنا عقد الستينيات وتأسيس المجلس المشترك.

ومع أن التحرك والحديث عن تطوير التجربة السياسية نحو مزيد من الانفتاح لم يتوقّفا، بل اصطدمت المحاولات الثلاث في 1951 و1954 و1958 بموقفٍ رافضٍ من بعض الشيوخ، فكان نصيبها الفشل، إذ كان داخل الأسرة الحاكمة ذاتها فريق إصلاحي أغلبه من الشيوخ الشباب، وفريق يسعى إلى الإبقاء على الأوضاع القائمة.

ومع أن الشيخ عبدالله السالم كان قد ألمح إلى رغبته في تطوير تجربة مجلس الشيوخ الأعلى عام 1956، وتطعيمه بعناصر شعبية، فإن تلك الفكرة ظلت تراوح مكانها، حتى انقضى عقد الخمسينيات من دون تقدُّم على الصعيد السياسي.

وعندما برزت فكرة تطوير المجلس الأعلى ليصبح المجلس المشترك، كانت أفكار بعض الشيوخ الإصلاحيين أن المجلس المشترك سيكون نواة للمجلس التأسيسي، وقد أفاد عدد من التجار الإصلاحيين مثل يوسف إبراهيم الغانم وعبدالعزيز الحمد الصقر، رحمهما الله، بأنه لابد لأيِّ مجلس قادم أن يكون مُنتخَباً، وأن يتساوى فيه المُنتخَبون من أبناء الشعب مع أفراد الأسرة الحاكمة.

إذاً، لم يكُن دخولنا العهد الدستوري دخولاً ساذجاً، ومن دون وعي، كما أنه، أي الدستور، لم يكُن منحة أميرية، بل كان عقداً اجتماعياً بين حاكم عاقل كريم وشعب طموح ويستأهل.

* في وداع الصديق د. محمد السيد سعيد

في آخر لقاءٍ لنا منذ عدة أشهر، شعرت أنه سيكون اللقاء الأخير، فمع أن عقلَك الجبار مازال حياً، وحديثك العذب مازال كما هو، فإن معالم السرطان اللعين كانت قد أعلنت موقعاً لها في جسدك النحيل، كان يقطع حديثك لحظات صمت، وكأنه قطع مبرمج، وأنت الذي إذا كنت بدأت موضوعاً فلا تتوقف حتى تصل الفكرة، وكم كنت سيداً للفكرة من دون منازع.

كنتَ يا صديقي حينها، وكأنك تقول وداعاً، ولعلَّك استغربتَ لماذا حضَنْتُك بقوة قبل مغادرتك المكان، آهٍ يا صديقنا الإنسان المهذب، الودود، المفكر، المتسامح، الليِّن.

سلام لك يا صديقي، فقد عشتَ حياتك المتعبة بحثاً عن السلام والتسامح وإنهاء التمييز أياً كان نوعه، ورحلت عنَّا، ومازال العالم على وضعه، خَسرَتْك الإنسانية يا صديقي.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء