لا شك أن كل من يتابعون مباريات كأس العالم هذه الأيام، قد سمعوا، وإن لم يريدوا ذلك، تلك الأغاني التي أعدت خصوصا لهذا الحدث العالمي، وأولى هذه الأغاني هي نشيد المونديال الرئيسي "Wavin Flags" والتي يمكن لي ترجمتها إن اجتهدت إلى "البيارق الخفاقة"، وهي الأغنية التي تتحدث كلماتها عن الحرية والشجاعة وقهر الصعاب، والتغلب على شقاء الحروب والمجاعات... هذه المقالة، للعلم، ليست للتسويق لهذه الأغنية، وإنما للحديث عن قصة غريبة من وراء هذه الأغنية.

Ad

كاتب كلمات هذه الأغنية هو شاب اسمه كنعان عبدي ورسمه، ولد في مقديشو الصومال في أواخر السبعينيات، وعاش فيها إلى حين اندلعت الحرب الأهلية في أول التسعينيات، فأنشبت أظفارها في أجساد الناس، وأنيابها في لحمهم وأرواحهم، وسحقت تحتها شعبا ودولة بأسرها.

كنعان عبدي، ولد هناك في قلب الشقاء والألم، وعاش تلك الطفولة المحفوفة بالرعب، حيث يقال إنه أطلق النار من رشاش كلاشينكوف لأول مرة في عمره وهو لم يتعد الثامنة، وقام بتفجير نصف مدرسته وهو في الحادية عشرة، عندما انفجرت قنبلة يدوية كان يلهو بها بالخطأ!

يقول كنعان في لقاء له مع صحيفة التيليغراف اللندنية، إنه شاهد في طفولته الكثير من أصدقائه يقتلون رميا بالرصاص، وانتهى به الأمر هو نفسه إلى الانخراط مع عصابة، فجرى اعتقاله مرات عديدة لحيازته للأسلحة النارية وهو لايزال طفلا صغيرا، حتى تمكنت والدته من الهرب إلى الولايات المتحدة، ليستقر بهما المقام من بعد ذلك في كندا حيث تعلم اللغة الإنكليزية، ودخل إلى عالم غناء الراب، ودارت المقادير بعدها بحكمة إلهية عجيبة ليتم اختيار أغنية من أغانيه لتصبح النشيد الرسمي لمونديال جنوب إفريقيا 2010م، ويتم استخدامها في دعايات شركة "كوكا كولا"، الراعي الرسمي للبطولة، ولكم أن تتخيلوا معنى ذلك ماليا وأدبيا بالنسبة له.

ما أريده من سرد هذه القصة الغريبة، هو الدعوة للتفكر في حال الآلاف المؤلفة من الأطفال الذين تسحقهم يوميا هذه الحروب، وهذه المجاعات، وهذه الكوارث الطبيعية، وتلك التي من صنع البشر، والتفكر في أولئك الذين حباهم الله بملكات وقدرات وهبات، كان من الممكن أن تتطور لتصبح شيئا ما، في أي مجال كان، ليس بالضرورة في مجال الغناء، إنما في كل المجالات الأخرى المحتملة.

أقدار الله عجيبة، ولا اعتراض على أقداره عز وجل، ولكن كم سيكون رائعا للإنسان، على مستواه الشخصي، لو هو ساهم في تخفيف ألم ومصاب شخص ما في تلك الأماكن المنكوبة حول العالم، سواء بالمال أو بالجهد أو حتى بأقل من ذلك، ربما من خلال كلمة أو موقف أو حتى دعاء!

كم سيكون رائعا أن يكون الإنسان سببا في إنقاذ إنسان من براثن الموت أو الخوف أو الجوع أو الجهل.

* * *

هذه المقالة، من وحي "يوتيوب" شاركني بها الصديق الأديب والزميل الطبيب، الصومالي الجميل، محمد الديري... شكرا ألف مرة يا أبا الدراري، وإن لك في القلب محلا ومقاما وإن على البعد.