• كنت قابعا متربعا في أحد مقاهي «بحمدون» المكان الأثير لتزجية فراغ غالبية المصطافين الكويتيين، وسمعت مجموعة من المواطنات يتحاورن في إجازة مجلس الأمة التي ستبدأ بعد أيام قليلة جدا. قالت كبيرتهن التي علمتهن «الحش» والنميمة: حبذا لو كانت الإجازة أربع سنوات، علّ الحكومة تتمكن من تنفيذ المشاريع التنموية المعطلة! قالت واحدة، يبدو من سمتها ومنطقها أنها متأبطة شهادة الدكتوراه: بذمتكن يا أخوات أثمة برلمان في العالم يحظى بإجازة مدتها أربعة أشهر؟ أهذه إجازة أم تأبيدة؟! وكعادة الحوار النسائي الذي يتحدثن فيه في وقت واحد، تناهت إلى سمعي هذرتهن كما الكلمات المتقاطعة! لكنها تدل على خيبة أملهن في المجلس، التي تمخضت عن السوالف المتقاطعة.

Ad

والطريف أنهن توعدن النواب الذين سيلوذون بمصايف لبنان، بإمطارهم بعلامات الاستفهام والتعجب، تأسياً بسيل الأسئلة التي انهمرت على الوزراء من كل صوب، رغم أنهم لتوهم تربعوا على مقاعدهم الوزارية!

من هنا أتمنى على النواب القادمين إلى هنا الاستعداد لاستجواب الناخبين الذي سيلاحقهم حيثما كانوا! اللهم إلا إذا شاؤوا أن ييمموا صوب مكة المكرمة، حيث لا جدال وهذرة تخدش حرمة المكان والمناسبة، وقد أعذر من حذر وأنذر! ولا شك عندي أن جل الشعب الذي اختار غالبية النواب، سيتنفس الصعداء لحدوث الإجازة التأبيدة! لاسيما إذا اهتبل الربع هذه الفرصة لمراجعة النفس ومحاكمتها بشفافية تتوسل معرفة ما يجري في البلاد من أزمات متعاقبة، وهل هو ظاهرة سوية صحية تدل على حيوية وحراك، أم أن الأخير مجرد عراك لا يمت إلى الحراك بصلة؟!

أيا كان الأمر نقول إن من حق الإخوة النواب بمن فيهم «النوّام» استحقاق العطلة رغم مدتها الفلكية التي قد تقتحم فضاء موسوعة غينس للأرقام القياسية، وهو إنجاز لو تعلمون عظيم تأسيا بالمقولة الشعبية «العوض ولا القطيعة!». لكن أخشى ما أخشاه هو أن القطيعة بين النواب وناخبيهم آخذة في التنامي لدى عامة الشعب.

ملح الأرض اليباب المكابدة لشح الفعل في مجال التشريع، وغياب الإنجاز التنموي المكرس لمصلحة البلاد والعباد، كما هو حاصل في دول مجلس التعاون التي لا يوجد فيها سوى مجالس شورى لا تدعي الانتساب إلى الحداثة المعولمة! وكان بعضنا «يعايرهم» لكون مجالسهم معينة وليست منتخبة ولا متشحة بعباءة وبشت الديمقراطية!

وليس سراً أن إخوتنا في أقطار مجلس التعاون يغبطوننا على وجود مجلس الأمة في الأيام الخوالي، لكنهم في هذه الأيام باتوا يحمدون الله على ما هم فيه، وصار لسان حالهم يهتف بالفم المليان «الله لا يغير علينا» إلى حين يكون النموذج «الديمقراطي» يستحق التأسي والتقليد بمنأى عن أخطائه وخطاياه... و»مزاياه» الكاملة الدسم! والتي منها حظوة كل نائب بخمسة عشرة من السكرتارية! ولا تسأل ولا تستجوب عن مهامهم فربما تناط بأحدهم مهمة نصب وتعديل العقال والكوفية وتلبيس حضرة النائب عباءته المهيبة، بينما يكلف البقية بصب الشاي والقهوة وتوصيل العيال إلى المدارس وأمهم إلى «المول» والجمعية و... و... لا حول ولا قوة إلا بالله!

والسؤال الذي يدحرج نفسه بشدة، كجلمود صخر حطه السيل من عل، أو من حيث هو: أليست إجازة أربعة الأشهر مالا عاما، أم أن الربع في «البر...لمان» يرون القذى في عيون أعضاء الحكومة ويغضون الطرف عنه حين يعشش في عيونهم؟!