اين الندوة الفكرية
منذ السنة قبل الماضية استحدث المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدعة غريبة، تمثلت في ما تسميه «النشاط البديل»، الذي بموجبه أُلغيت «الندوة الفكرية» المصاحبة لفعاليات مهرجان القرين الثقافي. واستمرت هذه الندوة منذ انطلاق المهرجان حتى أُلغيت في عام 2008، وتم وضع فعاليات «القدس عاصمة الثقافة العربية» بديلاً عنها، وفي هذه السنة تم اختراع فعاليات خاصة بدولة الإمارات العربية المتحدة، باعتبارها ضيفة شرف المهرجان، وأُقيمت في هذا الصدد أمسيات شعرية وفعاليات فنية، كما استمر إلغاء الندوة الفكرية.
لم نجد تصريحاً واضحاً من القائمين على المجلس هذه السنة بشأن إلغاء الندوة الفكرية، وهل ستُعقد في وقت آخر من السنة، أم أنها ذهبت إلى غير رجعة؟ بينما كان هناك تصريح العام المنصرم بأن فعاليات «القدس عاصمة الثقافة» ستكون بديلاً عن الندوة.لست أرى مبرراً مقنعاً حتى اللحظة لإلغاء الندوة الفكرية، وهي النشاط الرئيس لمهرجان القرين، فعن طريقه تستضيف الكويت شخصيات ثقافية وفكرية عميقة الطرح، في مجالها، أياً كان هذا المجال. وإن عدنا إلى الوراء قليلاً، نجد أن المهرجان في دورته الأولى 1994 عقد ندوة بعنوان «الثقافة والإعلام في دول مجلس التعاون» استمرت يومين، وتحدث فيها مفكرون ونقاد مهمون، واستمرت هذه الندوة في الدورات التالية، ومن الندوات الفكرية الأخرى التي عقدت:- «حقوق النشر والتأليف في الوطن العربي» 1995.- «النقد الأدبي في دول مجلس التعاون الخليجي» 1995.- 1- «العمارة في الكويت» 2- «الفن التشكيلي المعاصر الواقع والطموح» 1996. - «الفكر العربي المعاصر تقييم واستشراف» 1997.أعد أبحاث الندوة الفكرية الأخيرة شخصيات بارزة، من بينها محمد جابر الأنصاري، محمود أمين العالم وتركي الحمد.مهما كان الأمر، فإن عقد مقارنة بين فعاليات مهرجان القرين منذ انطلاقته الأولى حتى السنتين الماضيتين، لا يؤول فيه الأمر لمصلحة القيّمين على الثقافة الآن، ومن هنا نطرح أسئلة بشأن تراجع النشاط النوعي، لا الكمي لهذا المهرجان، وما أسبابه.هل يرجع الأمر إلى قصور في مستوى وعي المنظمين، وهم أفراد اللجنة العليا المنظمة للمهرجان؟ أم أن هناك إشكالية تتعلق بالميزانية، وتخفيض الجانب المخصص للفعل الثقافي، مع ميلي الشخصي إلى ترجيح الجانب الأول واستبعاد الأخير، لسبب جد بسيط، هو أن المجلس الوطني ينفق بسخاء على اللجان المرافقة للمهرجان، التي يفوق عدد منتسبيها مئتي فرد، لكل واحد منهم مكافأته المخصصة، علاوة على المكافآت التي تمنح لمهمات العمل التي يسافر إليها المسؤولون في المجلس بداعٍ ومن دون داعٍ، كما أننا لم نقرأ في أيٍّ من الصحف عن شح أو نقص في ميزانية المجلس.قد لا نجد سوى قصور القائمين على مهرجان القرين وحده سبباً لتردي نشاطه «النوعي لا الكمي»، ونحن رأينا أمسيات موسيقية عديدة وندوات ومحاضرات «طُبخت على عجل» فأين الفعل الثقافي العميق؟ نحن بحاجة إلى ضيوف عرب وعالميين يُثرون مهرجان القرين بأفكارهم، ومناقشتهم للمثقفين المحليين، نحن بحاجة إلى إثارة قضايا فكرية عميقة ومعاصرة، فهل يجد أصحاب الثقافة صعوبة في إقرار ذلك؟ الأمر برمته بسيط: تقدح الفكرة في ذهن أحدهم، وتُقترح لها الشخصيات المناسبة، ومن ثم تأتي مرحلة وضع محاور عامة وأفكار للموضوع المُراد مناقشته، ترسل هذه الأفكار إلى الضيف المحاضر ويتم أخذ رأيه، وتحديد موعد لتسليم الدراسة قبل انعقاد الندوة، هل من صعوبات في ذلك؟ أما إذا كان القيّمون على المهرجان لديهم رأي بخصوص جدوى هذه الندوات، وما إذا كنا بحاجة إلى الانتقال إلى ثقافة الترفيه، والكرنفالات الأدبية بدلاً من الطرح الفكري العميق، فذلك شأن آخر، وقد تكون هناك مداخل كثيرة للتحاور بشأنه.من الخطأ الاستسهال في الفعل الثقافي إلى هذا الحد. المحاضرات والأمسيات الموسيقية التي عقدها مهرجان القرين هذه السنة، بإمكان أي فرد أو مؤسسة صغيرة أن يعقدها، ولا تليق بمؤسسة ذات ميزانية عملاقة وموظفين كثر مثل المجلس الوطني للثقافة.