لم يتسن لي أن أكون في البلاد يوم الاستجوابات «الكبير»... أقولها وأنا لا أدري إن كان في الأمر «متعة» أصلاً، ولكن على أي حال فلم تفتني مجريات ما جرى، فقد بقيت مطلعاً على الأحداث أولاً بأول من خلال «مسجات» الأصدقاء المتحمسة جداً، وكأنهم يتابعون كأس العالم، وكذلك من خلال «مسجات» الخدمات الإخبارية، التي لم تنفك تنشر، وتعود بعدها بلحظات لتصوب أخطاءها في ما نشرت، ناهيك عن أخطائها اللغوية المضحكة- وهو الأمر الذي يستحق وقفة لاحقاً للتساؤل حول مدى مصداقية وكفاءة هذه الخدمات الإخبارية ومن يديرونها، خصوصاً وقد تكاثرت أخيراً كتكاثر الذباب على الحلوى.

Ad

لن أنجرف لإغراء القول بأن ما تنبأت به سابقاً من أن استجواب النائب فيصل المسلم لرئيس الحكومة لن يصل إلى «ثمرة حقيقية» قد حصل فعلاً، ولكنني أكاد أجزم بأن المسلم نفسه وكل الذين كانوا معه أو كانوا في حماس شديد لهذا الاستجواب، قد باتوا تلك الليلة على وسادة من خيبة الأمل، والتحفوا المرارة لأنه لم يحقق شيئاً مما تخيلوه.

المفاجآت التي سمعنا أنها ستنكشف تحت «قبة عبدالله السالم»، انتهت إلى لا شيء، وكل الإثارة التي حقنها النائب الفاضل فيصل المسلم والفريق الشبابي الذي تمترس خلفه- مع خالص التقدير لحماستهم- في الصحف والمنتديات والمدونات طوال الفترة الماضية، فأشغلوا الناس وبثوا التوتر في البلد، لن تذكر بعد اليوم إلا بصورة سلبية وللأسف.

لكن، لا ينفع الآن البكاء على الحليب المسكوب، فلننظر إلى الجانب الإيجابي. استجواب فيصل المسلم لرئيس الوزراء، وهو الاستجواب الراقي على حد تعبير كل من تحدث عنه، بمن فيهم النائب المستجوب نفسه، كسر ذلك الحاجز الوهمي الذي كان يعيشه الجميع تجاه فكرة صعود رئيس الحكومة إلى منصة الاستجواب، خصوصا أن أداء الرئيس كان مقنعاً ومتوازناً إلى حد كبير كما تبين، وهذا شيء إيجابي ولا شك، بل سأقول كما قالت الصحف والفضائيات، إن الممارسة برمتها قد سجلت سابقة تاريخية، ليس على مستوى الكويت فحسب، إنما على مستوى الوطن العربي.

لكن الأمر الذي قد يفوت البعض هو أن مجريات الاستجواب وما انتهت إليه، في ظل الأداء المقنع لرئيس الحكومة، وفي مقابل أداء مخيب للتوقعات وخالٍ من المفاجآت الموعودة من جانب د. المسلم، قد رفع من الرصيد الشعبي لرئيس الحكومة، وأعاد ترميم أجزاء كبيرة من صورته التي كانت قد تعرضت للتشويه خلال الفترة الماضية، وبالتالي فقد صعَّب المهمة كثيراً على من قد يفكرون في استجوابه من الآن فصاعداً، حيث أعاد رفع السقف عاليا.

سأقول الآن، وحتى قبل جلسة 16 ديسمبر، بأن كل شيء قد انتهى وأن الشيخ ناصر باقٍ في مكانه على رأس حكومته، بل ومع زخم شعبي أفضل بكثير من السابق بعد صعوده إلى المنصة، لذلك فكلي أمل الآن أن ينصرف الجميع نحو العمل الجاد والمثمر بدلا من اجترار نفس قصص التأزيم بلا طائل.

ما قلته سابقا، وسأردده اليوم، هو أن كل المسائل يجب ألا ترتبط بالأشخاص ومصالحهم، فلا ترتبط بناصر المحمد ولا بفيصل المسلم ولا بهذا أو ذاك، إنما يجب أن تكون دائما وأبدا مرتبطة بالكويت أولاً وأخيراً، وأنه في النهاية لا توجد انتصارات شخصية لأحد على حساب أحد أو إخفاقات لأحد في مقابل أحد عند القيام بهذه الممارسات المقررة دستورياً، وبالتالي فإن ما حصل كان ممارسة دستورية صحيحة ومن حق النائب فيصل المسلم، مهما اختلفنا معه في قوة محاورها أو قيمتها، وقد تصدى لها رئيس الوزراء بحسب اللوائح بكل رحابة صدر وفندها، لذلك فإن ما قامت بعض الفضائيات ببثه ضد فيصل المسلم خلال اليومين الماضيين هو من غير اللائق ولا المقبول، ويخرج عن إطار ما يمكن النظر إليه على أنه تبنٍّ لموقف سياسي، بل يدخل في دائرة قلة الأدب، والأهم من ذلك أن ضرره أكثر من نفعه في الحقيقة لو كانوا يعلمون!