يعنى بحرية التعبير عادة حرية الكلام من دون رقابة أو حدود، ولكن التعريف الفلسفي الأشمل يتضمن حرية بحث وتلقي ونشر المعلومات أو الآراء سواء بالحديث أو الكتابة أو أي وسيلة اتصال/تعبير ممكنة، ولا يخلو دستور أو وثيقة لها علاقة بالحريات أو حقوق الإنسان في العالم المدني من مواد تؤكد حرية التعبير كحق طبيعي للإنسان وكأحد أعمدة بناء المجتمع المدني.

Ad

ويرى البعض أن المجتمعات الليبرالية المعاصرة قد بالغت في حماية حرية التعبير للحد الذي يسمح للمواطن الأميركي بحرق علم بلاده أو الصليب تعبيراً عن سخطه، والسخرية أو التهجم علناً على رئيس الدولة أو أي شخصية عامة، أو للمثلي الدنماركي حين يُسمح للداعمين لحب الرجال للأولاد (pedophiles) بالنشر والتعبير عن أنفسهم علناً، وغيرها الكثير من «الحقوق» التي تعتبر جرائم شنيعة في كثير من الدول الأخرى، إذ «لابد من الحرية المطلقة للتعبير والتباحث في أي فكرة بغض النظر عن أخلاقيتها»، وحتى إن كانت تلك «فكرة شخص واحد من دون كل البشر»، كما قال جون ستيوارت ميل.

ورغم ما يراه البعض تطرفاً في الحرية، فإنه لا أحد من رعاة حرية التعبير يراها حرية مطلقة دون حدود، فأول حدود الحرية يقع عند «الأذى»، ويرى البعض كـ»جون ميل» أن الأذى الذي يفرض الحد على التعبير يجب أن يكون أذى مباشراً، كالدعوة المباشرة للقتل أو التعذيب أو الكذب أو الغش في الدعاية لمنتج ما أو التسويق لمنتج خطر على الأطفال.

ولكن أغلب التشريعات المدنية المعاصرة تمد الحد إلى الضرر أو الأذى غير المباشر كالدعوة للكراهية والتمييز ضد فئة اجتماعية ما (Hate Speech)، أو الدعوة للإرهاب والمساس بالأمن الوطني. وتحديد الأذى عملية صعبة لذا تنحاز أغلب التشريعات الليبرالية لحرية التعبير أكثر من المنع عند دعاوى الأذى غير المباشر.

الحد الآخر لحرية التعبير هو «الإهانة»، ويقصد بالإهانة ما يثير الاشمئزاز والغثيان والصدمة، وحيث إن الإهانة ليست أذى حقيقياً وأثرها نسبي من شخص لآخر فيعتمد المشرعون حد الإهانة في الرقابة العامة فقط، فنرى أن الدول التي تقدس حرية التعبير تفرض شيئاً من الرقابة على ما يعرض في التلفاز العام والصحف اليومية احتراماً لمشاعر «الجمهور المحافظ» والأطفال، ولكنها تفتح المجال على مصراعيه للقنوات الخاصة والسينما والكتب والمجلات الخاصة، وبذلك يمكن للمحافظين والحساسين تحاشي «الأذى» بالامتناع عن تلك القنوات أو الكتب أو دور السينما.

بهذه المفاهيم ما مدى احترامنا في الكويت لحرية التعبير؟ وماذا عن الوطن العربي؟ وهل يكفينا حدا الأذى والإساءة لنعطي الكل حرية التعبير؟ هذا موضوع الجزء الثاني من هذا المقال.