في زمن نور عيني... نتذكّر سينما عبد الحليم

نشر في 21-06-2010
آخر تحديث 21-06-2010 | 00:00
 محمد بدر الدين حينما نعود إلى سيرة عبد الحليم حافظ ومسيرته، إذ تحل هذا الأسبوع الذكرى الـ (81) لميلاده (ولد في 21 يونيو 1929)، لا نتأمله كمطرب كبير فحسب، بل أيضاً كأهم مطرب كان موفقاً في تقديم الأفلام السينمائية في تاريخ السينما المصرية والعربية.

وترجع هذه الأهمية إلى أمرين أساسيين:

أولهما: أن عبد الحليم هو أكثر المطربين الرجال توفيقاً في الأداء التمثيلي، مثلما أن الفنانة شادية هي أكثر المطربات توفيقاً في الأداء التمثيلي.

وثانيهما: أن عبد الحليم قدم أنضج مستوى فني لأفلام المطربين في السينما المصرية والعربية حتى الآن.

ويكفي هنا أن ننتبه إلى ملاحظة هي أن عدداً من كبار المخرجين في السينما، قدموا في أفلامهم مع عبد الحليم مستوى من أحسن مستوياتهم مثل صلاح أبو سيف في «الوسادة الخالية» ومثل عز الدين ذو الفقار «في شارع الحب»، بل إن بعضهم كان في أحسن مستوياته مثل عاطف سالم «في يوم من عمري»، وحسن الإمام في «الخطايا»، وأحدهم قدم أيضاً أحسن أفلام مشواره وهو حلمي حليم في «حكاية حب»!

والسبب لا يرجع إلى هؤلاء المخرجين فحسب، ومدى حرصهم على إنضاج أو إتقان أعمالهم، إنما لا بد من أن ثمة دوراً لعبد الحليم نفسه، فهو بحرصه أيضاً على الأفضل، إلى جانب موهبته الجيدة في التمثيل مع موهبته الساطعة في الغناء كان يشجع هؤلاء المخرجين على التطلع إلى أن يكونوا في أحسن حال ويقدموا أفضل الأعمال.

صحيح أن بعض أفلام عبد الحليم أقل من مستوى الأفلام التي ذكرناها، إلا أن هذا طبيعي وبديهي فلا يوجد فنان سينما أو مسرح أو غناء أو أديب أو رسام... تجيء أعماله كافة بمستوى واحد، ويكفيه تقديم مستوى رفيع في بعضها. وإن لم يقدم عبد الحليم سوى ما ذكرناه من أفلام لكفاه.

يزداد شعورنا بقيمة ما قدم عبد الحليم في السينما، إذا ألقينا نظرة كلية على «السينما الغنائية» منذ رحيله في مارس (آذار) 1977 وعلى امتداد عقود بعدها.

فمع أن السينما الغنائية من النوعيات الأساسية في السينما المصرية، والتي قام بناء هذه السينما عليها وتشكلت منها معالمها ومميزاتها، إلا أنها أصبحت نوعية قليلة الوجود أو عنصراً نادر الحضور في المشهد السينمائي لدينا، وإذا وجدت أو حضرت فهي فقيرة ضحلة إلى جانب كونها قليلة نادرة.

وقد كنا من الأقلام التي تشجع باستمرار محاولات بعض أهل المغنى في عقود ما بعد عبد الحليم لتقديم أنفسهم وأغانيهم وقدراتهم التمثيلية في أفلام غنائية، حتى وإن كانت تلك القدرات محدودة خافتة، وكان تشجيعنا من منطلق ألا تندثر هذه النوعية المهمة في سينمانا العربية، لكننا لاحظنا دائماً أن هؤلاء المغنين في ما بعد عبد الحليم كانوا في معظمهم خائفين مترددين في دخول حقل السينما، وأن القلة التي اقتحمت ودخلت ظل ما تقدمه عادة متواضع المستوى.

ومن بين هؤلاء مثلاً تامر حسني وحمادة هلال. ويكفي فيلم «نور عيني» في (عام 2010) مثالاً واضحاً، فقد اختار فيه حسني- وهو كاتب القصة أيضاً- أن يقدم عملاً ميلودرامياً يدر الدموع، وهو يتصور أيضاً أن هذه هي الرومنسية التي كما قال: نحن نفتقدها في السينما وفي حياتنا!

لكن الفيلم قائم على سيناريو بالغ الافتعال والتلفيق، ممتلئ بمصادفات كان صناع السينما المصرية الميلودرامية، أو السينما الهندية القديمة (لا المعاصرة بالطبع والتي تطورت جداً) يخجلون من أن يبنوا أفلامهم على أساسها.

ولا توجد في الفيلم أية رومنسية صادقة أو مؤثرة، بل سذاجة درامية وضعف حرفي، واللافت أن بعض الأفلام الغنائية القديمة كان ضعيفاً أو متواضعاً، إلا أن المتفرج كان يسعد مع ذلك بمستويات من الطرب والأغنيات التي تخاطب وجدانه... لكن في هذا النموذج لم يجد المتلقي حتى أغنيات ولو بمعايير غناء تامر وأقرانه!

نعم في ظل هذه الأزمنة، وأمام مثل تلك النماذج البائسة، وعلى قلتها أيضاً!... فإننا لا بد من أن نذكر سينما عبد الحليم، والسينما الغنائية القديمة عموماً، بكامل التقدير والاحترام، وبكل الشجن العميق...

back to top