نجح رئيس الحكومة سعد الحريري في غضون الأيام القليلة الماضية في احتواء الكثير من العراقيل، التي يمكن أن تعترض مسيرته الجديدة في رئاسة الحكومة نتيجة التناقضات، التي تتحكم في الوضع اللبناني، والتداخلات السياسية المحلية والإقليمية والدولية والظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعانيها اللبنانيون. وإذا كانت تجربة زيارة الحريري إلى دمشق ولقاء الرئيس السوري بشار الأسد تعتبر "التحدي" الأهم في التعاطي مع الأوضاع اللبنانية من موقع متطلبات رئاسة الحكومة، خصوصا عندما تتناقض مع المزاج الشعبي العام، وخصوصا المزاج السائد في الطائفة السنية خاصة، وأنصار تيار المستقبل وقوى 14 آذار عامة، فإن امتصاص الحريري لردات الفعل الشعبية والسياسية بهدوء وثبات، واستيعابه الاحتجاجات والانتقادات التي تعرض لها في السر والعلن، أفقد خصومه أوراقاً كانوا يراهنون على توظيفها ضده. لا بل على العكس من ذلك فإن المؤشرات تدل على أن الحريري وفريقه السياسي انتقلا من وضع استيعاب الصدمة إلى وضع استعادة زمام المبادرة. ولعل أبرز ما يمكن التوقف عنده في هذا المجال هو الآتي:

Ad

1- دعوة الأمانة العامة لقوى 14 آذار إلى انعقاد لقاء البريستول بعد غد الأحد مع ما تعنيه رمزية الجهة التي وجهت الدعوة (الأمانة العامة لقوى 14 آذار) من جهة، ومبدأ انعقاد هذا اللقاء الذي كان الأرض التي بُنيت عليها انتفاضة الاستقلال من جهة مقابلة. ففي حين كان خصوم الحريري و14 آذار يراهنون على حل الأمانة العامة وفرطها إذا بالأمانة العامة مستمرة، لا بل إنها في صدد إثبات قدرتها على استعادة مشاهد سياسية اعتقد الكثيرون أنها أصبحت من الماضي بعد التطورات السياسية الأخيرة التي رافقت وأعقبت تشكيل الحكومة.

2- الاتجاه إلى إحياء الذكرى السنوية الخامسة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه يوم 14 فبراير المقبل في ساحة الشهداء من خلال لقاء شعبي حاشد، يشارك فيه مؤيدو قوى 14 آذار، في حين كان خصوم الحريري يراهنون على أن موقعه في رئاسة الحكومة سيجبره على التخلي عن العمل السياسي- الشعبي، وبالتالي سيفقده الكثير من أوراق القوة التي جعلته يفوز مع حلفائه في الانتخابات النيابية لدورتين متتاليتين (2005 و2009).

3- التمسك بالتحالف مع شركائه في انتفاضة الاستقلال، ولاسيما منهم القادة المسيحيون، وفي مقدمهم الرئيس أمين الجميل والدكتور سمير جعجع، والحفاظ بالتالي على الركن الأساسي من أركان نجاح انتفاضة الاستقلال المتمثل في الشراكة المسيحية- الإسلامية التي من دونها يتحول أي مشروع سياسي الى مشروع فئوي، في حين أن غطاءها قادر على تحويل أية توجهات إلى مشروع وطني جامع قادر على استقطاب الشريحة الكبرى من الرأي العام اللبناني بمعزل عن التنوع الديني والاجتماعي الذي يميّز المجتمع اللبناني.

4- الاحتفاظ بموقف سياسي ثابت تحت سقف الشعارات السيادية والاستقلالية، ورفض السير في أي خطوة من شأنها إعادة الأمور على هذا الصعيد إلى ما قبل عام 2005. وقد حرص الحريري من خلال تظهير نتائج زيارته الى سورية عبر وسائل الإعلام من مقر السفارة اللبنانية في دمشق، ومن ثم عبر استقلالية حركته السياسية في اتجاه أكثر من دولة عربية وغربية بمعزل عن الموقف السوري منها، كما بالنسبة إلى زيارته لمصر التي لم تنجز المصالحة مع سورية بعد، والتي تستمر في المواجهة القضائية- الأمنية مع "حزب الله"، على تأكيد أن حكومة الوحدة الوطنية التي شكلها لا تعني التسليم بسياسة خصوم قوى 14 آذار داخلياً، ولا تعني إعادة ملف العلاقات الخارجية للدولة اللبنانية إلى أحضان سورية.