«الانتحاريون أبطال... لكن في الجحيم»
أصدر الشيخ محمد طاهر القادري- عالم دين باكستاني، رئيس مؤسسة مناهج القرآن، له العديد من التلاميذ والأتباع في بريطانيا وباكستان- أقوى فتوى ضد الإرهاب وضد العمليات الانتحارية وقال: "الذين يقومون بالعمليات الانتحارية، خارجون عن ملة الإسلام، وهم ليسوا أبطال الأمة بل أبطال النار في الجحيم"، ووصف تنظيم "القاعدة" بأنها: "شر قديم باسم جديد".وفي خطوة نوعية متميزة، رفض الشيخ رفضاً قاطعاً أشكال التبريرات الدينية والسياسية كافة التي تسوِّق- عادة- للعمليات الانتحارية، وقال: "الإرهاب هو الإرهاب والعنف هو العنف، ولا مكان لهما في الإسلام ولا يوجد لهما أي تبرير أو عذر أو حجة" لم يصدر الشيخ فتواه عبر صحيفة أو قناة فضائية أو منبر الجمعة، بل اختار أن يعقد مؤتمراً صحافياً في لندن وأطلق فتواه من هناك وجاءت في 600 صفحة ووصف الشيخ فتواه بأنها "الأول والأشمل في مواجهة الفكر الإرهابي"، وقال: "اجتهدت ألا أترك حجراً إلا قلبته بشأن هذا الموضوع، واجتهدت كي أجيب عن كل تساؤل يتعلق بهذا الأمر".
وأكد الشيخ أن فتواه ستنشر باللغات الثلاث: العربية والإنكليزية والأوردو على شبكة الإنترنت، وأعلن المجلس الإسلامي البريطاني الذي يضم 500 رابطة إسلامية، ترحيبه بالفتوى، وقال المجلس في بيان له: "إنه لأمر محمود تماماً أن يعلن عالم بقدر طاهر القادري رفضه للإرهاب".ومن جهته، قال الباحث ماجد نواز مدير "مؤسسة كويليام البحثية لمكافحة التطرف الديني" إن "الشيخ القادري ذكر في مؤتمره الصحفي 10 نقاط التقاء بين خوارج الأمس وتنظيم (القاعدة)، حتى في الملبس وطول اللحية يتشابهون، إضافة إلى سطحية التفكير من دون العمق الديني".تأتي هذه الفتوى الشاملة في سياق تصاعد العمليات التفجيرية والانتحارية في باكستان والتي طالت المدارس والمساجد والأسواق الشعبية، إذ لا يمر يوم إلا ويسقط فيه ضحايا مدنيون أبرياء بفعل تلك العمليات الإرهابية التي عمت باكستان من قبل الجماعات الدينية المتطرفة بزعامة "طالبان باكستان".وكانت الحكومة الباكستانية قد لجأت منذ مدة إلى علماء باكستان لاستصدار فتوى تحرم العمليات الانتحارية واستجاب بعض هؤلاء وحرموا العمليات الانتحارية في باكستان وحدها دون غيرها، ولكن هذه الفتاوى لم تحد من العمليات الإرهابية، لقد وضّح الشيخ القادري دوافعه في إصدار هذه الفتوى وبين أنه اضطر للقيام بدراسة معمقة للفكر الإرهابي على امتداد 3 أشهر واتصل بعلماء ومشايخ في المنطقة العربية لتأتي الفتوى كـ"أول وأشمل فتوى كتبت في موضوع الإرهاب" وذلك انطلاقاً من عاملين: 1- المخاوف الكبيرة من تحول الطلاب المسلمين بالجامعات البريطانية إلى النزعة الأصولية، وهو يشير- هنا- إلى أبناء الجالية الآسيوية المقيمة في بريطانيا، والذين قد تستهويهم طروح الفكر الديني المتطرف في بريطانيا بالرغم من أنهم يعيشون في مناخ حر وديمقراطي يكفل لهم حرياتهم وحقوقهم كافة الدينية والمدنية والسياسية؛ يعيش في بريطانيا 7 ملايين مسلم، غالبيتهم من أصول باكستانية، وقد تورط عدد من أبناء الجالية في عمليات إرهابية في لندن.2- ندرة إدانة التطرف من جانب العلماء ورجال الدين المسلمين كما يقول الشيخ القادري، ففي كل عام يذهب آلاف الضحايا من المسلمين ويسقطون بسبب عمليات "القاعدة" المنتشرة في العديد من عواصم الدول العربية والإسلامية، وقد أشار "فارس بن حزام" الخبير في الحركات المتطرفة إلى أن عمليات "القاعدة" بلغت أكثر من 300 عملية، وأن 85% من ضحاياها مسلمون ومع ذلك لا نجد في المقابل جهداً ملموساً من قبل المجامع الفقهية المختلفة للتصدي لهذه العمليات الإرهابي عبر إصدار فتوى جماعية قاطعة بتحريم العمليات الانتحارية كافة، والفكر الدموي يستشري في الساحة الإسلامية، في العراق والجزائر والمغرب والصومال وباكستان وأفغانستان واليمن ويستهوي الشباب المسلم الذي يتحول إلى قنبلة بشرية ضد وطنه ومجتمعه، ولا يتصدى العلماء وهم المؤهلون المسؤولون عن إنقاذ الشباب المسلم من هذا الوباء الإرهابي، ولا يقومون بواجبهم الديني كما ينبغي، ولا يتفقون على تحريم العمليات الانتحارية التي تودي بالأبرياء المسلمين وغيرهم إلى التهلكة، متى ينهض العلماء بمسؤولياتهم تجاه نهر الدماء المسال في الساحتين العربية و الإسلامية؟!نعم نسمع كثيراً استنكاراً عاماً للإرهاب بأشكاله ومظاهره كافة، ويرددون كثيراً الإرهاب لا دين له، ويؤكدون كثيراً براءة الدين الإسلامي من الإرهاب، لكنهم لا يقولون لنا وبالتحديد: هل ما يجري في الساحة العراقية أو الأفغانية أو الباكستانية أو الصومالية من تفجير وقتل وذبح، هو عمل إرهابي أم مقاومة وجهاد؟! معظم علماء المسلمين يلتزمون الصمت تجاه هذه العمليات، وقطاع كبير منهم يؤيد العمل الانتحاري ضد من يعتبره عدواً ولو أسقط ضحايا أبرياء مدنيين وأطفال (مسلمين وغير مسلمين) وهذه طامة كبرى في الفكر الديني الجهادي. لقد أدى ذات مرة الفريق أول الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عتباً على المشايخ الذين لا يقفون موقفاً موحداً ضد العمليات الإرهابية، ولا يمتلكون الشجاعة الكافية لإخراج "القاعدة" من الملة الإسلامية، وقال: "إن الإرهاب دخيل علينا باسم الدين ونحن أولى بمجابهته ومقاومته، هذه كلمة حق، وعلى العلماء أن ينشطوا ويقولوا كلمة الحق، ولايكتفوا باستنكار عام للإرهاب أيا كان مصدره، فالعمومية والضبابية لا تجيدان في هذه المعركة المصيرية لإنقاذ شباب الأمة من الهلاك والانتحار". هل يعقل أن يعلن المرشد العام السابق للإخوان بمصر وعلى الملأ وفي فضائية بأن أسامة بن لادن مجاهد؟! وهل يعقل أن يقول رمز إسلامي كبير وعلى المنبر الجامع: العمليات الانتحارية أسمى أنواع الجهاد؟! وهل يعقل أن يحرِّم علماء باكستان العمليات الانتحارية في باكستان ويجيزونها في غيرها؟! ما هذه الازدواجية في العقل الديني؟! كيف ترضاها لغيرك وتحرمها في مجتمعك؟!نعم، إن الواجب الأول للمجامع الفقهية تحريم العمليات الانتحارية كافة سواء في العدو أو في المدنيين، يجب إعلان القطيعة الكاملة مع "الفكر الانتحاري" و"ثقافة الانتحار" لا يجوز تبرير العمل الانتحاري بالدوافع السياسية وعقدة "المظلومية" وتجبر الغرب والتسلط الأميركي، فالنفس الإنسانية في ديننا هي الأعلى والأسمى، ولا يوجد دين حرم الانتحار كالإسلام، النصوص الدينية قاطعة وصريحة ولا مجال للاجتهاد فيها، في أنه يحرم "تفجير النفس" مهما كانت الاعتبارات والأسباب والتبريرات.إسلامنا واضح ومريح في أن من يفجر نفسه فهو خالد في النار ولا يشفع له أنه أراد الثأر للمسلمين كافة واسترداد كرامتهم، هذه شعارات المفلسين وأسلحة المحبطين وتبريرات الخائبين، هؤلاء لا يضرون العدو بل يهلكون أنفسهم ولا يستردون كرامة المسلمين، بل يسيؤون إليهم ولا ينصرون الدين بل يشوهونه، هل علمت ديناً يحرّم عليك أن تجاري العدو في المحرمات؟ هل علمت ديناً يقول لك لا تقتل أطفال عدو لك ولو قتل أطفالك؟ المعاملة بالمثل في ديننا مقيدة بضوابط أخلاقية وإنسانية مشدودة فما بال هؤلاء القوم لا يفقهون حديثاً؟! لا يجوز لنا مجاراة العدو في تصرفاته الوحشية لأننا أصحاب رسالة إنسانية وإلا كنا مثلهم، لا يجوز تجاوز المبادئ الإسلامية بدافع "الثأر" و"الانتقام" لاستباحة الغرب لبلادنا، فهذا ليس من أهداف الجهاد، بل شعار سياسي لا علاقة له بالإسلام، الذين رفعوا شعارات المقاومة وتجاوزوا الثوابت وقالوا: الحوار مع اليهود يكون بالقنابل اليدوية، وشجعوا العمل الانتحاري ووصفوه "أسمى الجهاد" فتحوا ثغرة خطيرة في "الجدار الأخلاقي الإسلامي" وأخلّوا بميزانه الإنساني وأحدثوا بدعة عظيمة في "أدبيات الجهاد" لا توجد أحداث لا في غزوات الرسول- عليه الصلاة والسلام- ولا فتوحات الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم تبرر الانتحار في العدو. كما أن العمل الانتحاري لم يحقق أي مكسب لا قديماً ولا حديثاً بل أساء إلى المسلمين وشوه صورة الدين وجعل العالم متوجساً من المسلمين ولا يأمن لهم. الجهاد واجب وله وسائله وطرقه المشروعة وليس منها قطعاً "تفجير النفس"، فالإنسان أثمن ما في الوجود فكيف نضحي به من أجل لا شيء؟! بعض علماء السلفية حرموا العمل الانتحاري قولاً واحداً وبقي على المجامع الفقهية أن تمارس دورها المسؤول- بدلاً من الانشغال بإباحة المسيار- فتصدر بيانا حاسما بتجريم العمليات الانتحارية كافة من دون قيد أو استثناء، وهذه الفتاوى الشاملة بيّنة أساسية في هذا المسعى وعلى العلماء تأييدها... نعم، الانتحاريون أبطال لكن في الجحيم.* كاتب قطري