ما قاله الدكتور عبدالله النفيسي في أحد الدواوين بشأن السيد المهري من أن السيد المهري جاء "سباحة من البحر" خطأ، ومهما تكن شدة الخلاف القديم بين الدكتور النفيسي والسيد المهري فإنه لا يبرر أي نزعة استعلاء على الغير مهما تباينت أصولنا واختلفت توجهاتنا، فنحن أبناء وطن واحد في النهاية، ويفترض أن نكون متحدين في القاسم الإنساني، لكن يظل الدكتور النفيسي مثالاً حياً للمثقف القلق، ويفترض بهذا المثقف أن يتعالى بإنسانيته فوق اعتبارات العرق والطائفة وكل إشكال "القبائلية".

Ad

مع ذلك يسلط الدكتور عبدالله بقعة الضوء المثيرة على كثير من مواقع الظلام في الدولة والمجتمع الكويتي، فحين يقرر أن الديمقراطية في الكويت صحراوية على أرض رخام فهذا وصف صحيح برأيي، فهي اليوم "صحراوية" بفكرها الجاف وقسوة بيئتها وبسبب حالة الاستقطاب القبائلي مهما كانت هذه القبائلية ملتحفة ومتغطية بمسميات مختلفة مثل العائلة والطائفة والشللية والعرق... هي اليوم صحراء جرداء عانى عبدالله النفيسي ونحن معه خواءَها وخواء الفكر الذي أنتجها، وليس هذا عيب الديمقراطية كأسمى مراحل التطور السياسي وإنما هي كذلك عندنا بسبب هيمنة السلطة الواحدة على سمائها منذ عام 67 من القرن الماضي عام تزوير الانتخابات، ثم في أوائل الثمانينيات حين غيرت وعدلت الدوائر الانتخابية لتكرس التقسيمات العشائرية والطائفية، فحرمت تبعاً لذلك هذه الديمقراطية أمطار التحديث والتطور والثقافة وكل أسباب التقدم والمعرفة، وتم عبر سنين طويلة مسخ هذه الديمقراطية الوليدة في المنطقة من الداخل الكويتي ومن الخارج الذين رأوا فيها شذوذا عن معايير ونواميس العروبة في ديمومة البقاء بالحكم الى ما شاء الله. فانتهينا اليوم إلى ما نحن فيه.

يهمني كذلك تقسيم الدكتور النفيسي للمجتمع الكويتي إلى أربعة أقسام، قسم واحد يريد الاستمرار في السلطة، وقسم ثانٍ يسعى إلى الحكم وهو كارثة السياسة الكويتية الآن، وقسم ثالت من المثقفين والكتاب والصحافيين القلقين من اللاجدوى، وهي "لا جدوى" كويتية بصدق وليست فلسفية عبثية وجودية من الحياة وخلوها من المعنى، هذا القسم الذي يرى الأمور تسير من سيئ الى أسوأ، ويشاهد الدولة تعبر حفرة صغيرة لتقع في بئر عميقة! هي "لا جدوى" فراغ الفكر والكتابة الجادة حين تضج صفحات عديدة من جرائدنا ووسائل إعلامنا بثرثرة مسح الجوخ ويعلوها أتربة الرياء واجترار معانٍ منتهية الصلاحية لكنها تلائم ثقافة "الجمهور عاوز كده"، وكان هذا ما فهمته وفسرته عن القسم الرابع في المجتمع الكويتي من حديث الدكتور عبدالله النفيسي.

مهما يكن عليه الأمر، ومهما كان جدب صحرائنا في السنوات الأخيرة، تبقَ هناك واحات قليلة وارفة الظلال فيها، يجتهد ويعمل بها عدد من نواب الأمة ومن أصحاب الرأي الذي لا ينشد أصحابه عرض الدنيا... فليس بإمكاننا أن نفقد الأمل في الغد مهما طالت واستدامت جروحنا، فبالأمل نبقى وبنخيل واحاته سنستظل ببسمة الفرح ولن "نغسل أيدينا" من قدر التاريخ وسنة التغيير.