إن المطالبات التي تزعمتها الاتحادات والنقابات العمالية وبموازاة إصرار الكثير من أعضاء مجلس الأمة بالتريث وإعادة قراءة قانون الخصخصة لم تأتِ فقط بالتوقيت المناسب بل أيضاً عبر الطرح المناسب من خلال رفع سقف الخطاب السياسي والإعلامي.
لعل من سخريات القدر أن يتحول ما يعرف بعيد العمال الذي يصادف الأول من مايو كل عام إلى ساحة من الحزن والكآبة والتعبير عن الغضب والألم، أو أن يتحول هذا العيد إلى سلسلة من المظاهرات والاعتصامات وأحياناً المواجهات العنيفة مع قوات الأمن في الشوارع والساحات العامة، ففي مثل هذه المناسبات فإن العيد يفترض أن يعكس روح البهجة والسرور لا أن ينجلي بسقوط الضحايا البشرية وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة وتكبد الكثير من الخسائر المادية الجسيمة.والمظاهرات التي شهدها العالم في ذكرى يوم العمال العالمي شملت العديد من الدول على مستوى آسيا وأوروبا وأميركا الجنوبية، ونفست عن ذات الهموم والمطالب في إشارة واضحة إلى أن العولمة المعاصرة ليست بالضرورة مجرد اتفاق تلقائي يجمع شعوب العالم على استخدام الإنترنت ولبس الجينز والاصطفاف على طوابير مطاعم الماكدونالدز والوجبات السريعة.فما الذي جمع الملايين من العمال وعائلاتهم في مسيرات احتجاجية في العاصمة الروسية موسكو وفي أقصى الغرب في شيلي مروراً بالمدن الإيطالية والألمانية واليونانية؟ وما المطالب التي تؤدي إلى الخروج إلى الشارع والتعبير عن الغضب والاصطدام مع الشرطة في مجتمعات متباعدة جغرافياً ومتفاوتة في الثقافة ومختلفة في المستوى الاقتصادي والتمدن الحضري؟إنها ببساطة الشعور بالغبن والاستضعاف من قبل شريعة كبيرة من العمال الذين يرون أنفسهم من الطبقة الكادحة، وعصب الإنتاج للسلع والخدمات التي حولت مجتمعاتهم إلى مستوى الرفاه والترف من جهة، وتضخم الأرباح والعوائد المالية لأصحاب العمل من جهة ثانية، بينما تستنزف قواهم وساعات عملهم الطويلة وزهرة شبابهم ثم تقابل مطالبهم بزيادة الرواتب أو التأمين الصحي أو علاوات الخطر بالرفض والإهمال.وهذه مجرد صور تعكس الواقع لنتائج الخصخصة غير المدروسة، وما يترتب على التقسيمات الطبقية الحادة في أي مجتمع غنياً كان أم فقيراً، صناعياً كان أم نامياً، شرقياً كان أم غربياً، طالما كانت قواعد العدالة الاجتماعية مختلة وحقوق الإنسان مجرد شعارات وهمية، وبقيت دوافع النهم والجشع واستغلال البشر بلا حدود أو قيود!ولذلك فإن المطالبات التي تزعمتها الاتحادات والنقابات العمالية وبموازاة إصرار الكثير من أعضاء مجلس الأمة بالتريث وإعادة قراءة قانون الخصخصة لم تأتِ فقط بالتوقيت المناسب بل أيضاً عبر الطرح المناسب من خلال رفع سقف الخطاب السياسي والإعلامي، وتسجل لمعارضي الخصخصة اللجوء إلى الوسائل السلمية والنقابية من ناحية في التعبير عن رأيها والمشاركة الإيجابية في طرح الضوابط والتعديلات المطلوبة لإعادة صياغة القانون من ناحية أخرى.فما يقال عن أن الخصخصة مشروع أممي يجب أن يقر أسوة بالدول الصناعية المتقدمة والاقتصادات الغربية يبقى نظرة ضيقة، قد تفرضها نشوة الغلبة الآنية، ولكن بالتأكيد تغيب عنها نفس النتائج التي يمكن أن تسفر عنها تطبيقات الخصخصة مستقبلياً، أيضاً أسوة بالدول الغربية، ومنها المظاهرات والاعتصام والإضراب عن العمل، وحتى المواجهات الصدامية في الشارع، وتلك بالتأكيد أمور لا تتحملها المجتمعات الصغيرة والمتداخلة اجتماعياً مثل مجتمعنا الكويتي! كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
مقالات
عيد العمال!
04-05-2010