الديمقراطية الزائفة والمزيفة
يتميز– ولا يمتاز- الوطن العربي بتفسيراته وتطبيقاته الفريدة والخاصة للمفاهيم السائدة والمعروفة في كل دول العالم، فالديمقراطية في عالمنا العربي لها صورها ونماذجها التي تختلف كلية وجذريا عن كل ما يعرفه العالم من مفاهيم وأصول للديمقراطية. فديمقراطية الوطن العربي عظيمة و تاريخية وغير مسبوقة... لماذا؟ لأن الجلسة استمرت 16 ساعة (إلى صباح اليوم التالي) ولم يتحدث أحد هل استمرار الجلسة لهذه المدة صواب أم خطأ؟ وهل هذا دليل قوة للديمقراطية أم مظهر ضعف؟ وهل يمكن لشخص مهما كان عظيما وعبقريا أن يظل قادرا على الحوار والنقاش طوال هذا الوقت؟!
تاريخية لأنه تمت مناقشة 4 استجوابات في جلسة واحدة، ولم يناقش أحد هل هذا صواب أم خطأ؟ وهل هذه جريمة في حق الديمقراطية أم مبعث شرف لأصحابها؟ ولماذا لم يتم توزيع الاستجوابات لتتم مناقشة كل استجواب بتأن وصدق وهدوء؟ تاريخية وعظيمة لأنها سمحت باستجواب رئيس الوزراء، وإذا لم تكن الديمقراطية قادرة على استجواب رئيس الوزراء فما قيمتها؟ أي تاريخ في ديمقراطية قتلت تاريخيتها قبل ولادتها بجعل الجلسة سرية لا يراها الشعب ولا يعرف عنها شيئاً، وتعطي لمن يريد الحق في قول ما يشاء عقب الجلسة، والمواطن مغيب لا يمكنه الجزم بصدق أو كذب المتحدث، فالديمقراطية تاريخية والجلسة سرية!! أي عظمة في ديمقراطية وأدت جلسة البدون- عن عمد- وباتفاق السلطتين؟! وأي قيمة لجلسة أعلن الجميع قبلها بيان رئيس الوزراء الذي سيلقيه بمناسبة تأييد الثقة الذي سيناله في الجلسة القادمة؟ هل هذه ديمقراطية تاريخية أم ديمقراطية غيبية؟! وغرباً في مصر بلدي الحبيب تتميز الديمقراطية بمظاهر خاصة يستحيل وجودها في مكان آخر، فلدينا صندوق «دافيد كوبر فيلد» السحري أو ما يسمى بالصندوق الانتخابي حيث يضع المواطن ورقته الانتخابية تحمل اسما في فتحة الصندوق فتخرج من الجهة الأخرى تحمل اسما آخر، هل شاهدتم أعجب من هذا؟! نعم... لدينا ديمقراطية لا توجد في أي مكان، ديمقراطية سحرية يصاحبها التهليل والتصفيق والطبل والزمر، والكل يصرخ ويتكلم «ديمقراطية الصراخ» الكل يتحدث ولا أحد يسمع «ديمقراطية الطرشان» يلتزم بها النواب ورجال الأحزاب وخبراء الفضائيات وكتّاب الصحف، والكل يلتزم بها التزامه بعقيدته ودينه فهل هناك ما هو أعجب؟! نعم... لدينا ديمقراطية تلقي القبض يوميا وطوال أكثر من 5 سنوات على 50 فردا من جماعة محظورة!! ولو حسبنا عدد من ألقي القبض عليهم لكانوا أكثر من 50 ألفا فبالله عليكم دلوني على حزب واحد (بما في ذلك الحزب الوطني) يزيد عدد الأعضاء الناشطين فيه عن 50 ألفا أفلا تستحق هذه المحظورة الشكر والديمقراطية الإعجاب والتقدير؟!ديمقراطية عجيبة غريبة تاريخية وسحرية لا مثيل لها، ولكن في الحقيقة هي ديمقراطية زائفة ومزيفة، فعلى من تضحك الأحزاب الحاكمة والأنظمة المتسلطة وأجهزة إعلامها المخادعة؟ تضحك على المواطن أم هي تتوهم ذلك؟ الحقيقة أن المواطن هو من يسخر سراً وعلانية من كل هذه المسرحيات التي يتوالى عرضها يوميا في جميع البلاد العربية وينتظر بشوق ولهفة لحظة إسدال الستار... فمتى سيسدل؟ كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة