دور باكستان في أفغانستان
لطالما طمحت باكستان إلى أن تمنحها أفغانستان "عمقاً استرتيجيًا" في حال نشوب حرب شاملة ضدّ الهند، لذلك تمقت وجود عدوّها التاريخي في مناطق مثال قندهار، فضلاً عن أنها لا تحبّذ برنامج الغوث الهندي الذي تضمّن شقّ طريق يصل إلى حدودها مع إيران.
لم يتمتّع مكتب براناف غانيش يوماً بإطلالة مميّزة، حتى قبل الشروع في بناء الجدار، الذي يرتفع وسط حديقته، حاجباً جداراً مرتفعاً آخراً يحصّن القنصلية الهندية في قندهار. تبدو وظيفة غانيش رتيبة، فهو يعطي تأشيرات السفر الهندية للأفغان، الذين يودون عادة دخول الهند طلباً للعلاج الطبي، إلا أنّ موقعه يعتبر من المواقع الأشدّ خطورة بالنسبة إلى دبلوماسي هندي.تتسبب هذه البعثة الدبلوماسية الصغيرة وسط قندهار بنوباتٍ من الغضب والغيظ للمسؤولين الباكستانيين، فهم ينظرون إلى هذه القنصلية والقنصليات الثلاث الأخرى في جلال أباد ومزار الشريف وهيرات على أنها مركز للأنشطة المعادية لباكستان، بما فيها دعم ثوّار البلوش في باكستان. لكنّ غانيش يزدري كلّ الإشاعات، التي توحي أنه ينوي القيام بأي أنشطة خارج نطاق أعماله اليومية.
لطالما طمحت باكستان إلى أن تمنحها أفغانستان "عمقاً استرتيجيًا" في حال نشوب حرب شاملة ضدّ الهند، لذلك تمقت وجود عدوّها التاريخي في مناطق مثال قندهار، فضلاً عن أنها لا تحبّذ برنامج الغوث الهندي الذي تضمّن شقّ طريق يصل إلى حدودها مع إيران، مما يحدّ من الهيمنة الباكستانية على تجارة أفغانستان التي لا تتمتع بمنفذ مائي.يذكر غانيش أن باكستان "لن تكون راضية إلا يوم يلغى التمثيل الدبلوماسي الهندي حتى في كابول". وأطلق ميل الدولة الأفغانية أخيراً إلى باكستان شرارة المخاوف من مثل هذه التداعيات، ويبدو أن كرزاي عدل عن معارضة الباكستانيين بسبب قبولهم بملاجئ متمرّدي طالبان على أراضيهم، وامتنع عن انتقادهم حتى عندما قُدّمت له إثباتات دامغة على أن شبكة حقّاني شنت هجومًا على تجمّع قبلي دعا إليه في منطقة كابول خلال شهر يونيو، وتشكّل هذه الشبكة إحدى الفرق المتمرّدة الرئيسة، وهي على علاقة وثيقة بشبكة الاستخبارات الباكستانية. والأشد غرابة من ذلك كثرة الزيارات الدبلوماسية المكوكية، فقد تلقى كرزاي زيارات من رئيس الجيش الباكستاني، الجنرال أشفق كياني، ورئيس الاستخبارات الجنرال أحمد باشا، والمراد من زياراتهما هذه أن تكون باكستان محوراً أساسيًّا في أي اتفاق سلام قد يعقده كرزاي مع المتمرّدين، بمن فيهم الحزب الإسلامي وشبكة حقاني. حتى أن تقريراً غير مؤكد أفاد أنّ الجنرالين اجتمعا في إحدى الزيارات بسراج الدين حقّاني، أحد زعماء الشبكة المدرجة أسماؤهم على قائمة أخطر المطلوبين في الولايات المتحدة.لا يعتقد الأميركيون أنفسهم أن باكستان تسيطر على شبكة حقاني بالقدر الذي تودّ إيهامه لأفغانستان، وكذلك لا يولون أهمية كبرى لما يشاع عن وعد شبكة حقاني بقطع علاقاتها مع تنظيم القاعدة. ولكن في ظلّ ازدراء كرزاي بأسياده الأميركيين في مناسبات عدة، يتخوّف البعض من كونه في صدد التخلي عنهم من أجل عقد صفقة مع إسلام أباد.قبل إقالة قائد القوات الأميركية في أفغانستان، الجنرال ستانلي ماكريستال، كانت الاستراتيجية العسكرية الأميركية موضع تشاؤم شديد. لذلك، قد تُعتبر اتفاقات السلام أخبارًا سارّة، لكنّ المخاطر لا تزال كبيرة، حتى أن التحالف الشمالي، القوة الرئيسة المعادية لطالبان في البلاد، يشعر بالقلق حيال هذه المسألة.أوضحت باكستان أنها تريد إلغاء وجود الهند في أفغانستان، وعبّرت عن رغبتها هذه في ملف من 56 صفحة رفعته إلى كبار المسؤولين الأميركيين في وقتٍ سابق من هذا العام... صحيح أن عدداً من الدبلوماسيين الغربيين يتطلعون إلى إجراء محادثات باكرة مع طالبان، لكن هؤلاء أنفسهم يعارضون منح باكستان مطالبها كافةً، وإذا استثنيت البلدان الأخرى من الاتفاقات، فهي أيضاً تملك القدرة على التدخل في الشؤون الأفغانية، وهكذا يصعب تخيّل حلّ شامل يراعي مصالح هذه المنطقة المعقدة كافةً ويبقي غانيش في مكتبه.