المجلس الأعلى للمعاقين تحول إلى دجاجة تبيض ذهباً خالصاً بميزانيته الضخمة التي تصرف بسخاء وكرم ممزوجين بدمعة من دموع التماسيح على الحالة الإنسانية للمعاق.

Ad

من مؤشرات التنمية البشرية الحديثة والمُستدامة، الاهتمام بشؤون المُعاقين والنجاح في تحويل ذوي الاحتياجات الخاصة إلى مورد من موارد الاستثمار الحقيقي في الإنسان، وبفضل العلم الحديث فإن أنواع الإعاقات الجديدة المُكتشَفة في ازدياد، الأمر الذي يتطلب جهوداً مضاعفة سواء في التشخيص أو العلاج أو نظام التأهيل لهذه الشريحة المهمة من البشر، وهذا بدوره يتطلب وجود كفاءات عالية وعلى قدر كبير من المسؤولية للقيام بهذا الدور الإنساني والحضاري.

وليت الأمر توقف عندنا بالكويت في طريقة التعامل مع ملف الإعاقة، عند حد الإهمال والتسيّب والبيروقراطية المريضة، لكن أن يتحول المُعاق إلى سلعة يتم الإتجار بها لتحقيق مكاسب ومصالح مالية مباشرة، فهذه جريمة كبرى في الدنيا، فما بالك بالوعد الإلهي والانتقام الربّاني لمن تسوِّل له نفسه استغلال أضعف خلق الله والتكسُّب من معاناتهم بسبب فقدان نعمة الصحة والعافية.

ولنا أن نسأل الأخ الفاضل وزير الشؤون الاجتماعية والعمل في المقام الأول، عن قيمة المبالغ المالية التي دُفعت كإيجارات لمبنى المجلس الأعلى للمُعاقين ولمن دُفعت؟ وما الأسس والمعايير التي تم بموجبها استئجار مبنى من ثمانية أدوار وتخصيصه لمراجعة المُعاقين وذويهم، وهو يفتقر إلى أدنى متطلبات المُعاق من ممرات ومصاعد وأماكن استراحة وغرف للتشخيص الطبي وصالات التأهيل وغيرها؟

ونسأل معالي الوزير: هل يُعقل في مشروع الاهتمام ورعاية المُعاقين، أن تكون الأجهزة الإلكترونية وملفات المرضى مكدَّسة في الممرات الضيقة أصلاً، بشكل بشع؟ وهل يقبل أي موظف صغير ناهيك عن المسؤول الكبير أن يكون سكنه الخاص بهذا الشكل المزري، وأن تكون الأجهزة والمعدات والأثاث المكسور هي واجهة هذا المجتمع العام؟

ونسأل رجل القانون الأول في وزارة الشؤون، عن كشوفات العاملين في المجلس الأعلى ليتبين عدد الموظفين المتخصصين في شؤون الإعاقة وذوي الاحتياجات الخاصة تبعاً للتصنيف الوظيفي لا العالمي، إنما وفقاً لمعايير ديوان الخدمة المدنية وقانون إنشاء المجلس الأعلى، كما نطالبه بمراجعة اللجان التخصصية بقسمَيْها التعليمي والصحي، للوقوف على مدى استيفاء الشروط الفنية والمهنية لمن يقررون مصير الآلاف من أبنائنا وآبائنا المُعاقين.

أما الطامة الأخرى في المجلس الأعلى للمُعاقين، فيتمثل في الفراغ القيادي في هذه المؤسسة المهنية، إذ أن المناصب القيادية والإشرافية شاغرة لسنوات عدة بسبب الصراعات السياسية وتنافس القيادات على الاحتفاظ لسبب رئيسي وخطير آخر ولعله بيت الداء لكل ما سبق من المشاكل والهموم والمصائب المتهافتة على رؤوس المُعاقين.

ببساطة... السبب في ذلك يعود إلى أن المجلس الأعلى للمُعاقين قد تحول إلى دجاجة تبيض ذهباً خالصاً بميزانيته الضخمة، والتي تصرف بسخاء وكرم ممزوجين بدمعة من دموع التماسيح على الحالة الإنسانية للمُعاق، وهذا الذهب الأبيض له مصدران رئيسيان، الأول رسوم المدارس الخاصة التي تضاهي نفقات أغلى الجامعات المرموقة في العالم والتي فرضت سيطرتها على المجلس وتدر من ورائه الملايين من الدنانير سنوياً، والكثير منها لا يرتقي إلى المعايير النمطية المطلوب توافرها بشأن تأهيل المُعاق سواء على مستوى المباني أو الهيئة التدريسية.

والمصدر الآخر يتمثل في الكنز الكبير من الأدوية والمعدات التي تُصرف بكميات هائلة من دون حسيب أو رقيب، وتنهال مناقصاتها بمبالغ خيالية، أما طريقة توزيعها وتخزينها فلا تحتاج إلى جهد كبير بعد زيارة خاطفة ومفاجئة لسرداب المجلس.

وأخيراً، نتمنى من الأخ الوزير والجديد العهد بالمسؤولية، أن يطلب الإجابات عن الأسئلة البرلمانية التي تم توجيهها في الفصول التشريعية السابقة، ويتحقق من أسباب ومبررات عدم الرد عليها، وأن يأمر باستعراض المعلومات والبيانات الخاصة بها، ليدرك بنفسه حجم المأساة في هذا المرفق الإنساني، بما يمهد له الطريق إلى غربلة هذا المجلس قبل أن يتحول إلى وصمة عار أبدية على جبين الدولة والحس والضمير الإنسانيين، وحتى ندعو له وجميع المُعاقين وأسرهم ومحبيهم بالخير والأجر والثواب.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء