انطلقت منذ فترة حملة إلكترونية قام بها مجموعة من المدونين تحت عنوان «ارحل... نستحق الأفضل» يقصدون بها رئيس الحكومة الشيخ ناصر المحمد، وقد كان لهذه الحملة اعتصام سابق في ساحة الإرادة في نوفمبر والظاهر أن هناك اعتصاماً مقبلاً، كما هو معلن على الإنترنت.

Ad

وأظنه ما عاد يثير أحداً القول إن هذه الحملة تمثل شيئاً جديداً، بل صارخاً، على الثقافة السياسية العربية، والخليجية على وجه الخصوص، حيث لم يمر على التاريخ السياسي لهذه المنطقة أن نشطت مجموعة من الأفراد، وبكل هذه الصراحة، ولن أقول الفجاجة، للمطالبة برحيل رئيس الحكومة.

أقول إن هذا ما عاد يثير لأن تحقيقنا للأرقام القياسية على الصعيد السياسي بالمقارنة مع جيراننا الخليجيين والعرب، ما عاد ينتزع الدهشة أو يثير الغيرة عند أحد، بعدما أضحت ديمقراطيتنا وسقوف ممارساتنا البرلمانية وجرأتنا السياسية التي دأبنا على التبجح بها عليهم، أشبه بالحمولة الثقيلة علينا أنفسنا مع تعطل التنمية وتنامي الفساد وتوقف كل شيء، فأصبح أولئك الذين نظروا إلينا ولسنوات طويلة بعيون يأكلها الحسد، لما كنا نرفل به من «نعمة» الديمقراطية والمشاركة السياسية، هكذا زعموا، يرددون الآن «الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به»!

أعود إلى حكاية «ارحل... نستحق الأفضل»، حيث كان قد كلمني بعض من أعرف حول هذه الحملة في بداياتها، طالبين مني الكتابة عنها، فأجبتهم بأني أختلف معها من حيث المبدأ في الإطار العام وفي بعض أدبياتها، وإن كنت بالطبع لا أرفض حق القائمين عليها في إطلاقها، فهذا ما يميز الديمقراطيات الحقيقية، حيث من حق كل من يريد أن يقول ما يريد ويتحمل مسؤولية قوله كما حصل مع الكاتب محمد عبدالقادر الجاسم، وهذا ما يميز حقبة الشيخ ناصر بالذات، أن الكل قد أمن جانبه «فاستأسد»، فصار البعض يقول ما لا يصدقه العقل ظناً منه أن الديمقراطية هكذا تمارس، وهو الأمر الذي أشك أنه كان ممكناً في السابق، وأستطيع أن أتنبأ بأنه لن يكون ممكناً في اللاحق.

أختلف مع بعض أدبيات هذه الحملة، ومنها على سبيل المثال تلك الصورة المستخدمة كشعار تظهر فيه صورة للشيخ ناصر في منتصف دائرة حمراء يقطعها خط مكتوب عليه كلمة ارحل، حيث أراها خارجة عن اللياقة والأدب، بغض النظر عما تريد قوله. نعم، قد يقول قائل ليس فيها ما يجرِّمه القانون، وسأقول إن العبرة بالضرر الجانبي والإساءة التي تثيرها مثل هذه الصورة، وأختلف كذلك مع اللغة المستخدمة في نقد الشيخ ناصر في بعض المدونات المرتبطة بهذه الحملة، حيث خرج بعدها عن دائرة النقد المباح، متخليا عن كل أصول اللباقة التي كانت دائما عنوانا لممارستنا السياسية، ودخل في دائرة التجريح، بل التجريح البذيء في بعضها وللأسف.

يا سادتي، يجب أن نتذكر أن الشيخ ناصر المحمد، ومهما كان من حق خصومه انتقاده ورفض سياساته، بل التمتع بثوب الحرية السياسية والمطالبة برحيله، هو ابن للأسرة الحاكمة، والتي ستبقى الرحم الذي ينجب حاكم هذه البلاد، أبا السلطات جميعاً وفقاً لهذا الدستور الذي نعلن تمسكنا به صعوداً ونزولاً. من المهم أن نتذكر هذا حتى لا نسيء لهذا الدستور من حيث لا نشعر، بذريعة الديمقراطية والحرية!

وأختلف كذلك مع الحملة من حيث المبدأ لأني أراها خالية من التأصيل السياسي، ويشوبها قصر النظرة... نعم، أستطيع أن أفهم ما يريده لها هؤلاء الشباب المتحمسون، حيث يريدونها على غرار «نبيها خمس» التي انطلقت كنشاط شبابي تبلور مع المسير على الطريق وليس من البداية، ولكنني رأيت بعيني كيف أن ذلك الحماس الذي اضطررنا جميعاً للوقوف في صفه، من غير تبصر ودراسة تامة، أوصلنا إلى الدوائر الخمس التي اكتشفنا اليوم أنها لم تحل شيئاً على الإطلاق.

لا أقف في صف حملة «ارحل... نستحق الأفضل» لأنها لا تتجاوز نظرتها وأفقها أبعد من المطالبة برحيل الشيخ ناصر فقط، أي أنها لم تكلف خاطرها التفكير بشكل البديل أو هيئة المستقبل، تماما كحملة «نبيها خمس»، وهو الفخ الذي أرفض أن أقع فيه مجدداً، ناهيك عن أني لا أستبعد أن هناك مَن يمتطي ظهر هذه الحملة الشبابية ليحصد منها مكاسبه السياسية، كما حصل مع «نبيها خمس»!