كيف نحافظ على عزيمة العام الجديد

نشر في 07-01-2010
آخر تحديث 07-01-2010 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت هل اتخذت أي قرارات بمناسبة العام الجديد؟ ربما عقدت العزم على الحفاظ على لياقتك البدنية، أو إنقاص وزنك، أو ادخار المزيد من المال، أو الإقلال من تناول الكحوليات، أو ربما كان قرارك أكثر إيثاراً: كمساعدة المحتاجين، أو تقليص الانبعاثات الكربونية الناتجة عن أنشطة تقوم بها، ولكن تُرى هل تتمكن من الحفاظ على عزمك وتصميمك؟

إننا لانزال في مطلع عام 2010، ولكن الدراسات تُظهِر أن أقل من نصف هؤلاء الذين يتخذون قرارات بمناسبة العام الجديد يثابرون على الالتزام بقراراتهم الجديدة لمدة شهر واحد. تُرى بماذا ينبئنا هذا عن طبيعة النفس البشرية، وعن قدرتنا على إدارة حياتنا بحكمة أو بما يتفق مع المعايير الأخلاقية؟

إن جزءاً من المشكلة يتلخص بطبيعة الحال في أننا نتخذ القرارات بالقيام بأمور ما كان من المرجح أن نقوم بها في ظروف أخرى، فالشخص الذي يعاني فقدان الشهية المرضي فقط هو من قد يحمل نفسه حملاً على تناول «الآيس كريم» مرة واحدة في الأسبوع على الأقل، والمدمن على العمل فقط هو من قد يقرر قضاء وقت أطول أمام التلفاز، وهذا يعني أننا ننتهز مناسبة حلول العام الجديد لمحاولة تغيير السلوكيات التي قد يكون تغييرها هو الأصعب على الإطلاق، وهذا من شأنه أن يجعل من الفشل احتمالاً واضحاً.

ولكن من المفترض رغم ذلك أننا نعقد العزم على القيام بأمور من هذا القبيل لأننا قررنا أنه من الأفضل لنا أن نلتزم بما عقدنا العزم عليه أياً كان، ولكن إن كنا قد اتخذنا ذلك القرار بالفعل، فما الذي يمنعنا من الالتزام به؟ لقد حَيَّر هذا السؤال الفلاسفة منذ سقراط حتى يومنا هذا، ففي أحد حوارات أفلاطون تحت عنوان «بروتاغوراس» يزعم سقراط ألا أحد يختار أمراً يعرف أنه سيئ. ومادام اختيار المرء لأمر سيئ يُعَد نوعاً من الخطأ، فإنه لن يفعل ذلك إلا إذا تصور أن ما اختاره أمر طيب. ويبدو أن سقراط وأفلاطون تصورا أننا إذا تمكنّا من تعليم الناس ما هو الأفضل فسيختارون القيام به، ولكن من الصعب أن نصدق هذا المبدأ، فهو أصعب كثيراً من التهام الشريحة الإضافية من الكعكة التي تعلم جيداً أنها ستضرك.

أما أرسطو فقد تبنى وجهة نظر مختلفة تتلاءم بشكل أفضل مع تجاربنا اليومية مع الفشل في القيام بما نعرف أنه الأفضل، فهو يرى أن عقلنا قد يخبرنا بما هو الأفضل، ولكن عقلنا في لحظة معينة قد يرتبك بفعل العاطفة أو الرغبة. وعلى هذا فإن المشكلة لا تكمن في الافتقار إلى المعرفة، بل ترجع إلى فشل عقلنا في فرض سيادته على الجوانب غير العقلانية الأخرى من طبيعتنا.

وهذا الرأي تدعمه النظريات العملية الحديثة التي تبين أن الكثير من سلوكنا ينبني على استجابات غريزية سريعة تستند إلى العاطفة، ورغم قدرتنا على اتخاذ القرار استناداً إلى عمليات التفكير العقلاني، فإن مثل هذه القرارات تكون غالباً أقل قوة من مشاعرنا الغريزية في دفعنا إلى القيام بعمل ما.

ولكن ما علاقة هذا بالالتزام بالقرارات؟ يشير ريتشارد هولتون، أستاذ الفلسفة بمعهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا ومؤلف كتاب «الإرادة، والرغبة، والانتظار»، إلى أن القرار عبارة عن محاولة للتغلب على مشكلة الحفاظ على عزمنا حين نتوقع أننا في وقت ما في المستقبل سنواجه ميولاً معاكسة لما اعتزمنا القيام به، فقد نكون راغبين في إنقاص وزننا انطلاقاً من اقتناع عقلاني بأن إنقاص الوزن أكثر أهمية من المتعة التي قد ننالها بتناول شريحة إضافية من الكعكة، ولكننا نتوقع في مواجهة إغراء الكعكة في الغد أن تتسبب رغبتنا في المذاق الغني للشوكولاته في تشويه تفكيرنا المتعقل، وقد نقنع أنفسنا بأن اكتساب القليل من الوزن الزائد لا يشكل حقاً كل هذه الأهمية.

وللحيلولة دون استسلامنا لهذا المنطق فنحن نسعى إلى دعم عزمنا الحالي على إنقاص وزننا، وباتخاذ قرار رصين وإطلاع أفراد أسرتنا وأصدقائنا على ذلك القرار، فإننا نعمل على ترجيح الكفة ضد الخضوع للغواية، وإذا فشلنا في الالتزام بقرارنا فسيكون لزاماً علينا أن نعترف بأننا أقل قدرة على التحكم بسلوكنا مما كنا نرجو، وبالتالي نفقد ماء وجهنا في نظرنا ونظر الآخرين الذين نهتم بهم.

ويتفق هذا إلى حد كبير مع ما اكتشفه علماء النفس بشأن الكيفية التي نستطيع بها أن نحسن احتمالات التزامنا بالقرارات التي نتخذها. كان ريتشارد وايزمان، أستاذ علم النفس بجامعة هيرتفوردشاير، قد تتبع تصرفات خمسة آلاف شخص اتخذوا قرارات بمناسبة حلول العام الجديد، ولقد تبين له أن واحداً فقط من كل عشرة تمكن من الالتزام بالقرار الذي اتخذه، وفي كتابه الذي صدر أخيراً تحت عنوان «59 ثانية»، يحدد وايزمان بعض الأمور التي يستطيع المرء أن يقوم بها لكي يعزز من احتمالات نجاحه في الالتزام بقراره:

• عليك بتقسيم قرارك إلى سلسلة من الخطوات الصغيرة.

• أخبر أفراد أسرتك وأصدقاءك بقرارك، فتكتسب بهذا الدعم وتزيد من التكاليف الشخصية المترتبة على الفشل.

• عليك بتذكير نفسك بانتظام بالفوائد المترتبة على تحقيق هدفك.

• امنح نفسك مكافأة صغيرة في كل مرة تتمكن من تنفيذ واحدة من الخطوات نحو تحقيق الهدف.

• عليك بتتبع مقدار تقدمك نحو تحقيق هدفك، على سبيل المثال عن طريق تسجيل يومياتك أو بوضع رسم بياني على باب البراد.

قد يبدو كل من هذه العوامل تافهاً على المستوى الفردي، ولكن هذه العوامل على المستوى الجمعي تشكل سبلاً لممارسة ضبط النفس، ليس الآن فقط بل في المستقبل أيضاً، وإذا نجحنا فإن السلوك الذي نحكم عليه بأنه الأفضل سيتحول إلى عادة، وبهذا لن يتطلب الأمر عملاً إرادياً واعياً لحمل النفس على الاستمرار في التصرف على ذلك النحو.

إن مثل هذه الأدوات التي نستخدمها لتأكيد التزامنا بما نتخذه من قرارات في العام الجديد قد تساعدنا أيضاً في إحراز تقدم، ليس فقط في إنقاص وزننا أو تجنب الديون، بل أيضاً في الالتزام بحياة أكثر تقيداً بالأخلاق، بل قد يتبين لنا أن ذلك هو القرار الأفضل الذي يمكننا اتخاذه لتحقيق مصلحتنا ومصلحة الآخرين.

*بيتر سنغر | Peter Singer ، أستاذ أخلاق الطب الحيوي في مركز الجامعة للقيم الإنسانية بجامعة برينستون.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة».

back to top