الحق أن قرار المملكة البحرينية بشأن إلغاء نظام الكفيل السبُّة والشائن للبلاد والعباد، يستأهل التأسي من قبل بلادنا وبقية دول مجلس التعاون، بل انه يستحق أن تكرِّس له الأمانة العامة مؤتمر قمة يعيد إلى دول المنظومة سمتها الإنساني الحضاري غير الملوث بإهدار حقوق العمالة الوافدة، طوال العقود الماضية.

Ad

• في الأيام القليلة الماضية نشرت الصحف المصرية خبراً عن شركة عمالة كويتية «لهفت» من حوالي 350 عاملاً معدماً مبلغ سبعة ملايين جنيهاً، نظير تشغيلهم في الكويت بمبلغ مئة وثمانين ديناراً. ومرت الأيام وينتظرون الفرج دون جدوى. وكالعادة يلوذ المظلومون في الأرض إلى القنصلية الكويتية بالقاهرة لكنهم يكتشفون أن الشكوى لغير الله مذلة.

ومن نافل القول الإشارة إلى أن هؤلاء العمال اضطروا إلى بيع قراريط أرض بثمن بخس: يمكنهم من العمل بهذا المبلغ السخي؛ إذا حولته إلى الجنيهات المصرية، وهذه الفعلة التي ارتكبتها شركة تأمين وتوفير العمالة، ليست الأولى ولا الأخيرة! فهناك ركام من حوادث الضحك على ذقون الشغيلة، فضلاً عما تقوم به «مافيا» العمالة العربية والأجنبية بصيغة مستمرة طوال العام وعلى مر السنين، وربما إلى ما شاء الله! والواضح لكل ذي بصيرة أن «مافيا» العمالة الوافدة، بمنأى عن المساءلة والعقاب لأسباب شتى، منها غياب القوانين التي تردع أعضاء هذه «المافيا»، بحيث تجدهم يكررون فعلتهم دون خشية متكئين على مقولة: «من أمن العقوبة أساء الأدب».

• وأحسب جازماً أنه آن الأون لإلغاء نظام الكفيل سيئ السمعة، وإيجاد تشريعات عادلة تنظم وتقنن العلاقة بين العمالة وأرباب العمل. وها هي مملكة البحرين تبادر بإلغاء نظام الكفيل إلى الأبد، وتشرّع آلية قانونية مضمخة بالعدالة الشاملة تأمين حق في السكن الصحي اللائق، والإجازة الأسبوعية والسنوية، وغيرها من الحقوق المسلوبة، والتي يعرفها الجميع بداهة، وحتى الساعة التي أدبج فيها هذه الخاطرة، يمكن لي القول إن «مافيا» العمالة تحظى «بحصانة» ما تحرِّضها على الاستمرار في ممارسة سوق النخاسة جهاراً ونهاراً، على الرغم من أن «سوق العبيد» اختفى من جغرافية الجزيرة العربية في النصف الأول من القرن الماضي بقرار حضاري سام صادر عن الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله.

وعلى الرغم من أن «سوق العبيد» زال واختفى من العواصم والحواضر العربية والإسلامية، فإنه عاد إليها مقنّعاً ومبرقعاً ومتخلفاً في «نظام الكفيل»، ولدى مافيا العمالة التي تسرح وتمرح في سوق النخاسة، لاعتمادها على مشاركة بعض «الهوامير» عرَّابي سوق نخاسة العمالة الآسيوية التي باتت تضاهي تجارة العبيد في القارة السوداء، والتي كانت رائجة من القرن السابع عشر ميلادي!

والحق أن قرار المملكة البحرينية بشأن إلغاء نظام الكفيل السُّبة والشائن للبلاد والعباد، يستأهل التأسي من قبل بلادنا وبقية دول مجلس التعاون، بل انه يستحق أن تكرِّس له الأمانة العامة مؤتمر قمة يعيد إلى دول المنظومة سمتها الإنساني الحضاري غير الملوث بإهدار حقوق العمالة الوافدة، طوال العقود الماضية، والتي أفضت إلى تلطيخ سمعتنا في مجال نفي حقوق الإنسان، كما يتبدى في التقارير الدورية والسنوية الصادرة عن المؤسسات المدنية المحلية والعربية والأجنبية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان... ماذا وإلا فإن «ثورة عبيد» الألفية الثالثة آتية لا محالة، كما حدثت ثورة العبيد في «زنجبار» في النصف الأول من القرن العشرين. وقد أعذر من أنذر، وهم كثر ولله الحمد!