مكافحة الارهاب تبدأ بانصاف المسلمين


نشر في 08-04-2010
آخر تحديث 08-04-2010 | 00:00
 أ. د. محمد جابر الأنصاري الانفجارات الأخيرة في أنحاء روسيا، وما أعلنته قبلها وزارة الداخلية السعودية بشأن الكشف عن «خلايا» و«أسلحة» وتجدد تفجيرات بغداد طرح مجدداً هذه القضية، ولا يبدو لي أن ثمة أملا لمكافحة «الإرهاب» واستئصال جذوره، من جانب القوى العالمية المعنية، إلا بحـدوث «إنصاف» للمسلمين عموماً وللعالم الإسلامي في أهم القضايا– ولكل حالة لبوسها- وفي مقدمتها قضية فلسطين.

فقد صبر العرب والمسلمون طويلاً بانتظار «الإنصاف» الذي يأتي ولا يأتي، ولم يصبح بعضهم «إرهابيين» إلا في السنين الأخيرة، وإذا كانت هناك جهات تستغل هذا الوضع وتصنع الإرهاب فهي تستثمر هذه الحالة لمصلحتها، كما يفعل أي طرف آخر حيال أي وضع، ومازلت على قناعة، وأعتقد أن الآخرين يمكن أن يصلوا معي إلى «كلمة سواء»، إذا تجردوا من رواسبهم وأحكامهم النمطية المسبقة، بأن أي إنسان لا يخرج من بطن أمه وهو يعتمر حزاماً ناسفاً أو يحمل عبوة متفجرة، بل إن الظروف المحيطة به هي التي تدفعه إلى ذلك هذا مع عدم إغفال النوازع الشخصية التي تدفع البعض لانتهازها. وتمثل تجربة الصين قبل حوالي مئة عام تجربة مهمة للغاية، حيث أفرزت ظروفها التاريخية المذلة تنظيم «الملاكمين» The Boxers الذي كان تنظيماً «إرهابيا» بامتياز، ولم يجلب للصين غير الاحتلال الأجنبي والكوارث الإنسانية، وزاد من معاناتها إلى أن تجاوزته بحركات أسهمت، على المدى التاريخي، في تحويلها إلى ما هي عليه اليوم من منعةٍ وتقدم.

وكان كاتب هذه السطور قد تناول مراراً تلك الظاهرة التاريخية، والظواهر المماثلة في تجارب الأمم الأخرى، وكان آخرها بتاريخ «10/9/2009» غير أن أهم الأدبيات والمراجع الجديدة عربياً بهذا الشأن هو الكتاب المترجم إلى العربية أخيراً والذي أصدره المفكر العربي السعودي الكبير الدكتور غازي القصيبي بعنوان «المؤمن الصادق» للمفكر الأميركي «إريك هوفر» الذي عالج باقتدار موضوعاً مماثلاً، وإن كان بعيداً كل البعد عن العالم الإسلامي، وهو تفسيره المقنع للتطرف الشيوعي والنازي، حسب تقييم أيزنهاور الجنرال الغربي الذي قاتل القوات النازية وانتصر عليها في الحرب العالمية الثانية، وقد أحسن الأستاذ علي الجهني بتلخيصه فكرة هذا الكتاب المرجعي المهم الذي ترجمه إلى العربية الدكتور غازي القصيبي. «الحياة: 30/3/2010م».

وقد مرت على المسلمين عصور طويلة، بعضها لم يخل من هزائم وإذلال، وهم صابرون ينتظرون العدالة، وعلينا ألا ننسى آباءنا وأمهاتنا، بل أجدادنا وجداتنا، الذين ربونا على الأمل والستر والكرامة، وهم تحت السطوة الاستعمارية وإذلالها، ولم تراودهم فكرة «الإرهاب» بأي شكل، ما يدل على أن إيمانهم لا يحمل هذه «الفكرة»، لذلك فإن على القادة العالميين الذين يرسلون جيوشهم هنا وهناك في أنحاء العالم الإسلامي، ويهددون، إرضاءً للرأي «العام» في بلادهم، بسحق القاعدة ومحوها، أن «يتقبلوا» هذا الرأي أيضاً: وهو أن «القاعدة» والمنظمات الأخرى المماثلة التي يهددون بسحقها، لم تنشأ ولم تنتشر إلا في أجواء «الخيبة» لدى المسلمين المغذية للتطرف واستمراره بلا أمل في الخلاص، إلا باللجوء إلى هذه الوسيلة البائسة واليائسة التي خلقت وتخلق الحالة الراهنة من الارتباك والحيرة في العالم الإسلامي، وفي العالم.

كما أبانت الندوة الفكرية المهمة التي رعاها الأمير نايف بن عبدالعزيز بجامعة «المدينة المنورة»، بأنه «لابد من حل النزاعات في العالم الإسلامي حلاً عادلاً، لأنها عامل أساسي تستغله الجماعات المتطرفة لتحقيق مآربها» كما أدانت «إرهاب» الدولة– كما في حالة إسرائيل– ضد المدنيين.

هذا مع تزايد الضحايا الأبرياء من بني البشر ومن الذين يفجرون أنفسهم وغيرهم في حوادث «الإرهاب» المتعاقبة من نيويورك إلى بومبي إلى موسكو مجدداً، مروراً ببعض البلاد الإسلامية ذاتها... فمن المسؤول عن ذلك؟

لقد أشرنا إلى «مسؤولية» القوى العالمية المعنية، وطالما أننا نطالب بإنصاف المسلمين فلابد أن نكون «منصفين»، قبل كل شيء في أحكامنا، ومن الإنصاف أن نشير إلى أن الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما قد بدت منه بوادر لا يجوز إنكارها، ولابد من البناء عليها. صحيح أنها حتى الآن «أقوال» أكثر مما هي «أفعال» لكن من النزق اللامسؤول أن نستسلم لغرائزنا وهي ضاغطة و«مشروعة» لطول فترة الظلم، خصوصا انتظار العدالة للفلسطينيين وسواهم من المجتمع الدولي، نقول إنه من النزق اللامسؤول أن نفقد صبرنا الطويل الجميل، فنكفر بكل شيء، ونرفض جديد أوباما كأول رئيس أميركي نسمع منه مثل أقواله التي نلح عليها، كما عبرت قمة «سرت» العربية أيضاً، أن تتحول إلى «أفعال». فذلك هو المعوّل عليه في التحليل النهائي، ونحن نشارك الأستاذ عبدالعزيز التويجري مدير عام «أسيسكو» رأيه في أن أوباما بدأ عهده بخطابه في جامعة القاهرة الذي رغم البطء في الوفاء بالالتزامات الواردة فيه «فهو يمثل وثيقة سياسية تاريخية بالغة الأهمية ليعلن التوجه الجديد للإدارة الأميركية». «الحياة: 30/3/2010».

كما أنه من الإنصاف الذي ندعو إليه الإشارة مجدداً إلى مواقف الكتلة الأوروبية التي لا تتطابق مع رؤيتنا لكنها أفضل من السابق أيضاً، وتؤشر إلى تحول دولي غير منحاز حيال تطرف اليمين الإسرائيلي، الذي يستفزنا بدوره وينتظر منا أن نعطيه «المبرر» أمام العالم لتحسين صورته التي يساور الإسرائيليين القلق من انسحابها على إسرائيل كلها، حتى اليهود المعتدلون في الولايات المتحدة وأوروبا وغيرهما صاروا أقل حماساً لتهرب إسرائيل من استحقاقات السلام. أما فيما يتعلق «بمسؤولية» الأنظمة العربية، التي تواجه إسرائيل من ناحية، وتواجه جماهيرها المحبطة من ناحية أخرى، فإنها مطالبة قبل كل شيء بالسير قدماً في مشروعات لإصلاح الداخل، فالإصلاح هو «كلمة السر» في إصلاح ذات البين لتفادي أغراض من يريدون دق الإسفين بين الأنظمة العربية وجماهيرها. ويجب عدم التقليل من تأثيرهم، أما المطلب الحيوي الثاني، والذي لا يقل أهمية عن مطلب الإصلاح الجدي، فهو الحرص والعمل على تحقيق «اختراق» أو «انعطاف» في مسيرة حل القضية الفلسطينية باتجاه حل الدولتين، ومن ضمنه قيام الدولة الفلسطينية القابلة للحياة والاستمرار وعاصمتها القدس الشرقية.

إذا بقي الشعب الفلسطيني محروماً من حقوقه الوطنية الشرعية، كالسنوات الطويلة الماضية، فلن يحصد العرب، ولن تحصد الأنظمة العربية، إلا المزيد من التراجع والإحباط والخيبة، ومنذ عام 1948، والعرب يقلعون أعينهم بأيديهم من أجل «تحرير فلسطين» وإسرائيل تحت مظلة الغرب تنعم بالاستقرار والدعم العلمي... إلى أن اتبعوا استراتيجية السلام التي نعتقد مخلصين بضرورة ألا يتخلوا عنها، مهما بلغ الاستفزاز الإسرائيلي المتزايد والمقصود وبلاشك فإن «البدائل» الأخرى ستبقى بيد الفلسطينيين والعرب، ولكن الواقع القائم حالياً لا يسمح لهم إلا بطرح استراتيجية «السلام».

لا جدال أن جيوب «مقاومة»– ومقاومة صلبة ومشرفة– قد ظهرت لكنها لم تغير من موازين القوى بشكل حاسم، وإلى أن يتحقق هذا الشرط الجوهري للعرب، فلكل حادث حديث.

* مفكر من البحرين 

back to top