بعد تحرير الكويت مباشرة ساد مصطلح "دول الضد"، الذي كان يقصد به تلك الدول العربية التي ساندت صدام في غزوه للكويت، أو التي لم تتخذ موقفا حاسما آنذاك. ومع أنّ الذي أطلق ذلك المصطلح لم يكن معروفا، فإن المصطلح نفسه كان ذا تأثير بالغ في أذهان الناس عموما، وفي السياسة الخارجية الكويتية خصوصا، لكنه عبر السنوات، تحول إلى "أستك"، يتم استخدامه حسب مزاج المتحدث، فتارة تصبح دولة "ضد" من دول "المع" والعكس صحيح، حتى إنه بعد سنوات من الغزو، صنف حوالي 30 في المئة من طلبة جامعة الكويت قطر من ضمن "دول الضد"، وذلك تأثرا بموقف قناة الجزيرة المعادي للكويت إبان فترة حكم صدام. لم يدرك هؤلاء أن قطر كانت قد أرسلت جيشها لتحرير الكويت، وأنها ساندت الكويت من الألف إلى الياء، ولكنها السياسة وغياب المعلومة، والعاطفة، وأحيانا المزايدات.

Ad

كنا حينها كمجموعة شعبية تعمل على إطلاق سراح الأسرى، نحاول إقناع الحكومة والمجلس بأنه من المفترض أن تبذل تلك الدول مساعيها لإطلاق سراح الأسرى، كأحد المداخل لتطبيع العلاقات معها، لكن تلك الفكرة تم تشويهها، وانبرى المزايدون الذين قالوا عن عودة تلك العلاقات إنها خط أحمر، والذي تحول بقدرة قادر إلى وردي ثم إلى أبيض، وعادت العلاقات بلا مقابل، وتوارت الأصوات المعترضة، ولم نستفد منهم لا بأسرى ولا بغيرهم.

من تداعيات تلك الحقبة أيضاً، وإن في سياق مختلف، أنه في يناير 1995 ألغت الكويت ديونها المستحقة على مصر وسورية بموجب قانون صادر عن مجلس الأمة، والتي تجاوزت التسعمئة مليون دينار، وبالطبع كانت مبررات الإلغاء سياسية، فقد كان موقف كل من مصر وسورية أثناء الغزو مساندا للكويت، وشاركت الدولتان بجيشيهما في تحرير الكويت.

كنا قد حذرنا من تكرار سيناريو "دول الضد" مع قضية التعويضات، وكنا قد أوضحنا أن الموقفين الأميركي والبريطاني وغيرهما مساند للعراق في مساعيه إلى إلغاء أو تخفيض النسبة المستقطعة للتعويضات، فقد انخفضت تلك النسبة من 30 في المئة إلى 25 في المئة وأخيرا أصبحت 5 في المئة، وتجري المحاولات الآن لخفضها إلى 1 في المئة، ومازال البعض لدينا يقول إنها خط أحمر.

بالطبع تستطيع الكويت أن تعترض كما تشاء وتبذل تحركا دبلوماسيا معارضا كما تريد، ولكن القرار ليس بيدها، فالقرار بيد مجلس الأمن، ومفوضية التعويضات المكونة من 15 دولة، منها الدول الخمس الدائمة العضوية. ولاشك في أن مآل الأمور قد أصبح أكثر وضوحا بعد إعلان الرئيس أوباما موقفه المساند للعراق.

وإذ إنه يصح القول إن المجتمع الدولي قد ساند الكويت إبان احتلالها عام 1990، فإن ذلك الموقف الذي تماسك فيه الحق مع القوة، لم يكن إلا موقفا استثنائيا، فالمجتمع الدولي يقوم على تبادل المصالح، وموازين القوى، وهو ليس محكمة تحكم بالعدل، وإن كانت الكويت قد حظيت بدعم دولي آنذاك، فليس هناك شرط لاستمرار ذلك الدعم في مسائل أخرى كالتعويضات أو غيرها.

المسألة هي مسألة أمن قومي استراتيجي، تتطلب المزيد من الحذر وتحركا مدروسا، ولا يصح التعامل معها كقضايا الفساد، أو المناهج، أو أي قضية داخلية. وعسى ألا يأتي اليوم الذي تلغى فيه التعويضات رغما عنا، ونهز رؤوسنا، وندسها في الرمال، ثم نتعامل معها كما تعاملنا مع "دول الضد"، فنحن مبدعون في إضاعة الفرص ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء