يتكالب على مصر في الوقت الراهن عدد من التحديات الصعبة؛ أهمها مواجهة وبائي إنفلونزا الخنازير والطيور، ومشكلة ري المزروعات بمياه الصرف الصحي، والقلاقل التي تثيرها بعض دول حوض النيل في شأن مراجعة حصة البلاد من المياه، التي لا تسد الحاجة في الأساس، فضلاً عن أزمة الخلافة السياسية، والتدهور الاجتماعي والاقتصادي المقيم، وتفشي الفساد، ومشكلات التلوث، والتهديدات الجادة بغرق الدلتا في غضون عقود محدودة، لكن الأسبوع الماضي شهد تركيزاً عالياً على مشكلة نقاب الفتيات في التعليم الأزهري والعام.

Ad

زار شيخ الأزهر معهداً أزهرياً، فوجد فتاة في الثالثة عشرة من عمرها منقبة، فطالبها بخلع نقابها، لأنه «عادة وليس عبادة»، فاندلعت ثورة عارمة، هيمنت أخبارها على كل وسائل الإعلام المطبوعة والمسموعة والمرئية، وطالبت جماعة «الإخوان المسلمين» الإمام الأكبر بالاستقالة، وبات الحديث عن النقاب وجدواه وشرعيته وتقنينه الشاغل الأكبر للشارع المصري.

وقد تزامنت تلك الأزمة مع قرار رسمي بمنع الطالبات المنقبات من دخول مسكن المغتربات التابع لجامعة القاهرة، وهو القرار الذي أثار بدوره اعتراضات وتظاهرات احتجاجية للطالبات المستهدفات، وفجر جدلاً واسعاً بين مؤيديه ومعارضيه، لم يحد منه تراجع الأزهر ووزارة التعليم العالي عن موقفهما، والاكتفاء بقصر حظر النقاب على الفصول والمساكن التي لا يدخلها الرجال.

الكويت أيضاً لا تنقصها تحديات؛ فأزمة الملف النووي الإيراني تهدد المنطقة كلها بشبح الحرب وعدم الاستقرار، والعلاقات مع العراق تمر بتوتر ينذر بالمخاطر، وتفاعلات الأزمة المالية العالمية مازالت تلقي بظلالها الكثيفة على الاقتصاد الوطني، وعدد من مشروعات التنمية يتعثر في ظل اتهامات بالإهمال والفساد وسوء الإدارة، والعلاقات بين الحكومة والبرلمان تخرج من أزمة لتدخل أخرى، لكن ما هيمن على الرأي العام الكويتي في الأسبوع الماضي وحظي بالعرض المكثف في وسائل الإعلام، لم يكن سوى فتوى وزارة الأوقاف بإلزامية حجاب المرأة لدى ممارسة حقوقها السياسية.

في 23 من شهر سبتمبر الماضي، وتزامناً مع العيد الوطني للمملكة العربية السعودية، افتتح خادم الحرمين الشريفين، في حضور عدد من الزعماء والقادة العرب والأجانب جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية شمال مدينة جدة، وهي الجامعة التي يُعول عليها كثيراً في خدمة أهداف المملكة التنموية ودفع مسيرة العلم وتفجير طاقات الباحثين السعوديين، والتي رصُدت لها مليارات الريالات لتجهيزها ورفدها بالإمكانات البحثية والتكنولوجية، بما يمكنها من تحقيق الأهداف الكبيرة التي أنشئت من أجلها.

ورغم أن المملكة لا تعدم مشكلات وتحديات صعبة تحدق بها على الصعد الاقتصادية والسياسية والتنموية والاجتماعية، ورغم أن فعاليات علمية وسياسية عربية وإسلامية وعالمية معتبرة رأت في خطوة إنشاء الجامعة بادرة واختراقاً علمياً وتنموياً واجتماعياً يمكن أن يُبنى عليه الكثير، فإن جدلاً واسعاً اندلع في السعودية وخارجها، وخلافات عميقة نشأت وتضخمت، ليس تضارباً حول جدوى تلك المنشأة العلمية أو طبيعة العلوم التي ستدرس بها أو الطلاب الذين ستضمهم بين جنباتها أو النتائج التي ستترتب على بدء الدراسة بها، ولكن لأنها ستسمح باختلاط الطلاب والطالبات.

وعلى الفور انقسم العلماء والنقاد والناشطون والجمهور إلى فريقين لا ثالث لهما؛ أولهما رأى في الجامعة مواكبة لتحديات العصر وخطوة إيجابية نحو الأخذ بأسباب التقدم وفتحاً مؤزراً في طريق تحرير طاقات المجتمع ومنح المرأة الفرص العادلة للمشاركة في عملية التنمية، وثانيهما اختصر موضوع الجامعة برمته في كونه «سيبيح الاختلاط ويجلب المفاسد ويهز أحد ثوابت المجتمع السعودي المحافظ القائم على منع الاختلاط خصوصاً في المعاهد الدراسية».

في شهر سبتمبر نفسه، كانت الصحافية السودانية لبنى أحمد حسين تمثل أمام محكمة الجنايات في الخرطوم بتهمة «مضايقة الشعور العام»، لأنها ارتدت سروالاً بالمخالفة لنص المادة 152 من القانون الجنائي، حيث نجت من حكم بالجلد، واكتفت المحكمة بتغريمها 200 دولار أميركي، في وقت تتعرض فيه سودانيات عديدات للجلد من جراء ارتداء ملابس تعتبرها الشرطة غير لائقة بمجتمع مسلم.

السودان يئن تحت وطأة الفقر والفساد وسوء الإدارة، ويتشرد الآلاف من أبنائه جوعاً ومرضاً، وتتهدد وحدته الترابية وسلامته الإقليمية، ويشرف على التمزق والانفصال، فيما تجد شرطته الوقت والجهد والتركيز الكافي لملاحقة فتيات يرتدين سراويل، وتحيلهن على المحاكمات لأنهن «يضايقن الشعور العام».

الأمر ذاته يتكرر في غزة، حيث يخوض ذلك القطاع الباسل معركة شرسة مع الدولة العبرية المسلحة حتى الأسنان، وحيث آثار معركة غزة التي وقعت في ديسمبر ويناير الماضيين تتفاعل، والعالم أجمع ينشغل برصد الجرائم التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي خلالها، والانقسام الفلسطيني ينخر في عظام قضية الاستقلال ويهدد بوأدها، لكن حركة «حماس» تجد الوقت والجهد والتركيز الكافي لكي تصرف شيئاً من طاقتها لملاحقة الفتيات غير المحجبات في المدارس والجامعات وفرض «الزي الإسلامي» عليهن، وتصدر قراراً بمنع الفتيات والسيدات من ركوب الدراجات النارية «حفاظاً على التقاليد والعادات».

ما يجمع العرب اليوم ويشحذ طاقاتهم ويوحدهم ويخزيهم ويشلهم ليس سوى جسد المرأة... ما يظهر منه وما يختفي، والمعركة الكبرى التي يخوضها الناشطون في أكثر من دولة عربية مثقلة بالهموم والأوجاع ليست سوى المعركة على هذا الجسد، وهو أمر يثير الضحك... لكنه ضحك كالبكاء.

* كاتب مصري

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء