تبين تجارب الكثير من الدول التي سبقتنا في خصخصة (بيع) القطاع العام، خصوصا في العالم الثالث أن هناك الكثير من شبهات الفساد المالي والإداري المرافق لعمليات الخصخصة، مثل تعارض المصالح وغياب الشفافية، فضلا عن تسريب معلومات وأرقام وبيانات مضللة تساهم في تضخيم مشاكل مؤسسات القطاع العام، وتصوير عملية استمرارها بالكارثة، حتى يتم التخلص منها بسرعة وبأبخس الأثمان.
كما تبين تجارب الخصخصة التي مرت بها دول كثيرة أن هناك الكثير من الوسائل والطرق المبتكرة التي تبتدعها بعض المجاميع التجارية من أجل تسهيل عملية نهب المال العام من خلال الخصخصة، مستغلة في ذلك غياب القوانين والتشريعات التي تكافح الفساد وضعف دور المؤسسات الرقابية، أو عدم وجودها. لذلك فإن الإسراع في عملية تشريع قوانين جديدة لمحاربة الفساد والحد من استفحاله يعتبر ضرورة قصوى قبل البدء بعملية الخصخصة، وهو ما نبهنا إليه في هذه الزاوية أكثر من مرة، إذ سبق أن ذكرنا أن ضخامة الميزانية المرصودة للسنوات الأربع المقبلة (37 مليار دينار) التي قد تزيدها الحكومة- حسب المادة السابعة- في أي وقت، وعدم وجود قوانين وتشريعات تحد من عمليات الفساد المستشري في الجهاز الحكومي، يعنيان شيئاً واحداً هو تشجيع الفاسدين على ابتداع طرق جديدة للاستمرار في نهب المال العام تحت دعاوى التنمية المزعومة!ولعل ما ذكره بالدليل القاطع النائب الفاضل أحمد السعدون في الجلسة الأخيرة لمجلس الأمة يؤكد ما سبق أن نبهنا إليه، إذ قال «إن البلد فيه من يحاول أن يستحوذ عليه، مشيرا إلى أن (الكويتية) في خطر، وهو عمل جاء بقصد لا عن غير قصد، من أجل إيهام الناس بخطورة وضع (الكويتية)"، وزاد «أن هناك لجنة تأسيسية شُكِّلت لـ(الكويتية)، أحد أعضائها مستشار في مكتب وزير المالية ورئيس تنفيذي لشركة مدرجة في البورصة، اختصاصاتها تملك أسهم شركات مساهمة، فكيف يُعيَّن شخص في اللجنة التأسيسية التي تطلع على كل الأمور المتعلقة بوضع (الكويتية)». (الجريدة 18 مارس 2010 ).فهل هنالك تعارض مصالح أكثر وضوحا من ذلك؟ بل كيف يتجرأ مسؤول حكومي كبير على تشجيع تعارض المصالح «عينك عينك» مع ما يمثله ذلك من تعدٍّ فاضح على المال العام، ومع أن القضية مكشوفة وبسهولة جدا معرفة تفاصيلها خصوصا من قبل وزير المالية؟ ثم كم يا ترى قضايا الفساد، وتعارض المصالح المرافقة لعمليات الخصخصة التي تستنزف المال العام، ويستفيد منها القلة ولا تعرف عنها الحكومة شيئا أو أنها تعرفها وموافقة عليها، مثل الحالة الآنفة الذكر، لكنها لا تكشفها للرأي العام؟ لقد كان النائب الفاضل أحمد السعدون على حق عندما قال «ليس كل الأمور يفترض أن نكشفها، لكن كيف تقبل (يقصد وزير المالية) تعيين شخص من مكتبك عضوا في اللجنة التأسيسية يطلع على كل الأمور المتعلقة بقضايا التخصيص؟».لذلك ولأجل الحد من قضايا الفساد وتعارض المصالح التي حتما سترافق عملية الخصخصة بأشكالها المختلفة فإن المطلوب الآن من مجلس الأمة هو الإسراع في إقرار القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد، وهي قانون مكافحة الفساد، وقانون الذمة المالية، وقانون تعارض المصالح، وقانون حماية المُبلّغين، وقانون حق الاطلاع على المعلومات. كما أن المطلوب من مؤسسات المجتمع المدني المعنية بحماية المال العام، خصوصا جمعية حماية المال العام وجمعية الشفافية الكويتية، التحرك السريع والمستمر للدفع بإقرار هذه القوانين المهمة.
مقالات
الخصخصة وتعارض المصالح
22-03-2010