التنمّر... أخطر من إنفلونزا الخنازير

نشر في 26-10-2009
آخر تحديث 26-10-2009 | 00:00
 لمى فريد العثمان صنفت جمعية أسترالية في 2008 الكويت الأسوأ عالميا في «التنمر» أو bullying، من خلال استطلاع أجري في مدارس ابتدائية في40 دولة. والتنمر (أو الاستقواء أو الاستئساد) هو ممارسة سلوك عدواني بشكل منظم بين الطلاب والطالبات في المدارس، وله أشكال متعددة كالإيذاء اللفظي والجسدي والتمييز العرقي والديني ومحاولات الإقصاء والاستهزاء والتحقير من شأن الآخرين واختلاق الأكاذيب والإشاعات والتهديد والترهيب. وهي ظاهرة من شأنها إلحاق أضرار نفسية واجتماعية بالغة، إذ يكون الضحية أكثر عرضة للإصابة باضطرابات نفسية واكتئاب وضعف في التحصيل العلمي وغيره، أما الأسباب التي تدفع لتلك الأفعال العدوانية، كما يؤكد المتخصصون، فيكمن بعضها في التنشئة التي تعتمد على العنف والضرب، ومحاولة التنفيس عن مشاعر الإحباط والإهمال والغيرة وعدم الشعور بالأمان والسعي إلى إثبات الذات ولفت الانتباه، وكسب الشهرة والشعبية بين الأقران، بالإضافة إلى تساهل الإدارات المدرسية في تأمين العقوبة وضعف دور التربية الاجتماعية والنفسية في ردع هذا السلوك.

والتنمر ظاهرة عالمية أعدت لها الدول المتحضرة الكثير من الدراسات بغرض التعرف عليها والوقوف على أسبابها وعواقبها وكيفية التعامل معها والحد منها. فقد تم إنشاء برامج خاصة لمحاربة ظاهرة التنمر في المدارس في تلك الدول، كما في بعض المدارس الخاصة في الكويت (خصوصا المدرسة الأميركية في الكويت)، فبرامج تنمية الذات وصقل الشخصية وتحفيز السلوك الإيجابي وزرع القيم الأخلاقية لا تقل أهمية، بل تزيد، عن التحصيل الأكاديمي، وهي كلها وسائل ناجعة لمجابهة سلوكيات التنمر من خلال تعزيز الثقة بالنفس وتقدير الذات والتسلح بالمهارات الاجتماعية والذكاء العاطفي كإدارة الغضب وتكوين الصداقات، بالإضافة إلى تشجيع الطلبة على المشاركة في النشاطات المدرسية المختلفة (كالرياضة والموسيقى والفن والدراما). كما تؤسس تلك المدارس قوانين واضحة وإجراءات عقابية رادعة تحمي الأطفال وحقوقهم، وتسعى إلى خلق ثقافة محاربة التنمر والتحذير منه بمشاركة مجتمع المدرسة ككل من اختصاصيين وأساتذة وطلبة، من خلال غرس روح المواطنة الصالحة وقيم المصلحة العامة وتطبيق القانون واحترامه، بحيث يتم التبليغ عن أي سلوك دون الخوف من التهديد أو تقاعس الإدارة في حماية الطفل (إذ يعد السكوت بسبب الخوف أو الخجل أحد الأسباب الرئيسة في انتشار هذه الثقافة).

ولكن هل هناك أي من تلك البرامج المعنية بمكافحة ممارسات التنمر في المدارس الحكومية؟ لا أعتقد أن هذه القضية تلقى اهتماما كافيا بالرغم من مؤشرات تزايد حجم العنف في المجتمع، فقلة المعلومات والإحصاءات الدقيقة بسبب قلة الإبلاغ عن حوادث التنمر والتغاضي عنها وعدم توافر آليات وإجراءات فعالة حيالها، عوضا عن غياب الوعي بمفهوم حقوق الأطفال يفاقم من الوضع ويجعل من المجتمع بيئة جاذبة للعنف.

ولك أن تتخيل كيف يكون الحال حين يكبر هؤلاء المتنمرون وسيئو الطباع ومعدومو الضمير ويحتلون المناصب أو يصلون إلى السلطة، فقد يكونون مفوهين ومحنكين كهتلر الذي قال عنه الطبيب النفساني جاي كارتر إنه «أحد أبرز المحقرين من شأن الآخرين. فقد كان مثالا نموذجيا للمحقر المهووس بالسيطرة... والشخصيات التي تتسم بسمات هتلر يحيطون بنا يوميا، يعذبوننا بوعودهم، ويتلذذون بضعفنا، ويطلبون ثقتنا، وأصواتنا الانتخابية، فيما يظلون هم في غاية عدم اللامبالاة تجاه كل شيء عدا تعطشهم للسلطة».

إن ظاهرة التنمر لا تقتصر على المدارس فقط، بل تمتد لتشمل العنف الأسري وتعرض الأطفال للاستغلال البدني والمعنوي والتحرش في الأماكن العامة (واقتيات بعض الإعلاميين والكتاب على تجريح الآخرين والتحقير من شأنهم) والتعدي على موظفي الدولة التي نشهد استفحالها في المجتمع بشكل مريع بسبب الإهمال في التعامل معها بشكل صحي وسليم والتقاعس عن اتخاذ إجراءات قانونية عقابية حيالها.

وباء التنمر المنتشر في الكويت أسوأ وأخطر، في رأيي، من وباء إنفلونزا الخنازير... فنسبة الشفاء من هذا المرض أكثر من 99%، أما الأعطاب النفسية والجروح العاطفية الغائرة فصعب أن تندمل وقد تبقى العمر كله.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top