في المقال السابق أوضحنا أن السلطة تتحول مع تحول الملكية، وبالتبعية يتحول شكل علاقتنا كمواطنين، إذ إنه بدلا من كوننا مواطنين لنا الحق في ملكية المشروعات العامة بأشكالها كافة ومراقبة أدائها، بل مساءلة المسؤولين الحكوميين عنها من خلال ممثلينا في مجلس الأمة، فإننا سنصبح، بعد الخصخصة، زبائن لدى القطاع الخاص، وكما نرى فإن الفارق بين طبيعة العلاقتين واضح فيما يتعلق ببعديهما السياسي والديمقراطي.

Ad

وكما أوضحنا سابقاً، فإن مشروع قانون الخصخصة الحالي يتعارض مع مواد صريحة في الدستور هما المادتان (20) و(21)، ونضيف إليهما هنا المادتين (152) و(153) أيضاً.

أما الآن فدعونا نتوقف قليلاً عند السؤال التالي: لماذا نخصخص؟ بمعنى آخر لماذا نتجه إلى الخصخصة في شكلها المتطرف (بيع القطاع العام أو تصفية النشاط الاقتصادي للدولة) رغم أنه بإمكاننا أن نطبق أشكالاً أخرى للخصخصة لا تمس الملكية العامة مثل خصخصة الإدارة، أو المشاركة بين القطاعين، أو الـ"بي أو تي"، إذ لم يتطرق إليها مشروع القانون الحالي رغم أن هذه الأشكال تتوافق مع الدستور وتناسب وضعنا الاقتصادي والسياسي أكثر من عملية نقل الملكية؟!

لقد جاء في المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون بشأن تنظيم برامج وعمليات التخصيص، أن الهدف العام للخصخصة هو "إعادة التوازن بين القطاعين العام والخاص"، بينما نرى أن مواد مشروع القانون تتعارض مع ذلك، إذ إنها تؤكد تصفية النشاط الاقتصادي للدولة!

وبالمناسبة، فإن مصطلح "إعادة التوازن" هو مصطلح مستخدم بكثرة في الدول الرأسمالية الصناعية لاسيما بعد الأزمة المالية والاقتصادية التي انفجرت في سبتمبر 2008، ويقصد به المزيد من تدخل الدولة في الأنشطة الاقتصادية لتحقيق توازن مع نشاط القطاع الخاص من أجل معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي نتجت عن الأزمة بعد أن كانت الدعوة في السابق، أي قبل الأزمة ومنذ سبعينيات القرن الماضي تحديداً، هي ترك آليات السوق تعمل وحدها وبحرية، على اعتبار أن "السوق يصحح ذاته بذاته"، وهو ما ثبت عدم صحته وتسبب في حدوث أزمة مالية عالمية رهيبة لاتزال تداعياتها تتفاعل في العالم حتى هذه اللحظة... إذن نحن، على ما يبدو، نتجه عكس السير!

أما الأهداف الأخرى للخصخصة، كما وردت في المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون، فكأنها نسخ "كربونية" من أهداف الخصخصة في دول أخرى مثل "زيادة إنتاجية ومساهمة العمالة الوطنية في الاقتصاد الوطني، وتوفير البيئة اللازمة لاستيعاب العمالة الكويتية الناشئة في القطاع الخاص"، وهي أهداف مستهلكة لا تعبر عن الواقع أبداً، لأنه من المعروف أن اقتصادنا اقتصاد ريعي، أي غير إنتاجي، كما أن القطاع الخاص لدينا لايزال قطاعاً ضعيفاً "مهمشاً" يعتمد على الإنفاق الحكومي، ويتركز في الأنشطة الاقتصادية الخدمية والمالية والعقارية التي تحقق أرباحاً سريعة ومضمونة، وهي علاوة على ذلك أنشطة اقتصادية غير إنتاجية، أما شركات الاستثمار المحلية فمعظمها عبارة عن محافظ مالية للمضاربة في البورصة، وليست شركات استثمار حقيقية!

أضف إلى ذلك أن نسبة العمالة الوطنية في القطاع الخاص الآن لا تتعدى 4% رغم برنامج "دعم العمالة" ورغم التسهيلات الكثيرة التي تقدمها الحكومة للقطاع الخاص من أجل تشغيل المواطنين، وكلنا نتذكر تخلي القطاع الخاص عن شبابنا وشاباتنا في العام قبل الماضي وتسريحهم بالجملة، فماذا سيستجد؟ هل نقل الملكية إلى القطاع الخاص سيوفر البيئة اللازمة لاستيعاب العمالة الكويتية الناشئة؟!... كلا بالطبع. أخيراً، فإنه من المستغرب حقاً أن يكون من ضمن أهداف الخصخصة التي جاءت في مشروع القانون هدف مثل "توجيه سياسات الدعم الحكومي المقدم للمستهلكين بغرض ترشيد الاستهلاك"!... فهل المقصود هو أن يوجه الدعم الحكومي للقطاع الخاص بدلاً من توجيهه إلى المواطنين؟!

وفي السياق ذاته، فإنه من المستغرب أيضاً ألّا يكون "توسيع قاعدة الملكية" ضمن الأهداف المعلنة للخصخصة رغم أن المادة (12) تبين أن نسبة 40% ستكون للاكتتاب العام للمواطنين، وهو ما قد نتوقف أمامه في مقال قادم، فهل "سقط سهوا" أم أنه غير موجود في النسخة الأصلية التي نقلنا مشروع قانوننا منها؟!