عدم حبّنا لنفسنا يعني أن احترامنا لذاتنا ضئيل. فاحترام الذات ركيزة لراحة البال في الحياة، وهو يعطي القدرة على حبّ الناس. لكن كيف يمكن الالتفات إلى الآخر وتقديره إذا كنّا نفتقر إلى احترام الذات؟ إليكم بعض النصائح والتفسيرات حول أهميّة تقدير الذات.

Ad

يبدو مفهوم حبّ الذات للوهلة الأولى دليلاً على الأنانيّة. لكن لا بدّ من أن نحبّ أنفسنا، أي أن نتحلّى بقدر معيّن من احترام الذات، للتصالح مع ذواتنا، وللتمكن من الالتفات إلى الآخر وتقديره. وإذا كنا نفتقر إلى احترام الذات ولا نوليه أيّ اهتمام، فكيف يمكن احترام الآخرين وإعطاؤهم الاهتمام الذي يستحقونه؟

«إسقاط تحويري»

يعني غياب حبّ الذات أننا لا نقبل ذواتنا كما نحن، بحسناتنا وسيّئاتنا، ولا نعرف كيفيّة تقدير الأمور. وفقاً للخبراء، لا نستطيع أن نرى لدى الآخرين إلا ما تعلّمنا رؤيته في أنفسنا.

بالتالي، إذا كنّا نعتبر أنفسنا بلا هدف ولا قيمة، نميل إلى اعتبار الآخرين مثلنا تماماً. وإذا كنّا نرى أنفسنا مثلاً سلبيّين أو حسودين، ونحن لا نقدّر هذه الخصائص، نميل إلى النفور من الأشخاص السلبيّين والحسودين. تُسمّى هذه الظاهرة في التحليل النفسي «الإسقاط التحويري»، وهي آليّة تجعلنا ننسب إلى الآخر مشاعر ونوايا تعود إلينا. وقد يحدث ألا نحبّ شيئاً في شخصيّة الآخر لأننا لا نحبّه في أنفسنا.

ما الحلّ إذاً؟ تحسين الطريقة التي ننظر بها إلى أنفسنا والاعتراف بعيوبنا وبحسناتنا أيضاً.

قبول الذات

أول ما يجب فعله إذاً لتخطي مشكلة عدم تقديرنا لذاتنا هو تعلّم كيفيّة قبول أنفسنا كما نحن، لنتوصّل في النهاية إلى محبّة الآخر. على عكس ما يعتقد البعض، لا يعني قبول الذات الاستسلام، بل على العكس. أن نقبل هويّتنا يعني أن نأخذ بالاعتبار حسناتنا ونقاط ضعفنا، ونعترف بأننا لسنا كاملين، بل نميل إلى المثالية.

تكمن الخطوة الأولى للتوصّل إلى ذلك في اكتشاف طاقتنا الخفيّة، أي قدراتنا التي لم نستغلّها بعد. في الواقع، ربانا أهالينا عبر تلقيننا الطرق الصحيحة للانخراط في المجتمع، وبالتالي التحلّي بسلوكيّات مناسبة كاللطف، والأدب، والتعاون، للتعايش مع الآخر. هكذا تعلّمنا كيفيّة التحكّم بغرائزنا، حتى أننا كبتنا بعضها. في لاوعينا، نجد أفكاراً سيئة نخجل من التعبير عنها، وصورة معاكسة تماماً لما نظهره للآخرين. ما من كائن بشري لا يعيش هذه الحالة، وهو أمر طبيعيّ. فالطبيعة البشريّة أكثر تعقيداً من أن نحصرها بما يظهره الإنسان للعلن! لكن بدل تعقيد حياتنا بهذا الجزء الخفيّ الكامن في أعماقنا، من الأفضل إدراك حقيقتنا ومواجهتها مباشرةً لنرى أنفسنا بتجرّد، في حالاتنا كلّها، في جانبنا العدائي والشرير. يبقى إدراك ذلك كلّه أمراً مهمّاً، على رغم صعوبته، لتحقيق الخطوة التالية: تقبّل الحسنات والعيوب. لكلّ منّا حسناته، ويكفي أن نسمح لأنفسنا برؤيتها. وإذا توصّلنا إلى ذلك، سنلاحظ فوراً أن لائحة الحسنات ليست قصيرة كما نظنّ... كذلك، لا بدّ من التحلّي بوضوح كافٍ للتعامل مع عيوبنا: لحسن الحظّ، لكل منّا عيوبه وإلا لأصبحت الحياة مملّة وروتينيّة. الأهم هو عدم إخفاء هويّتنا الفعليّة، لنتمكّن في ما بعد من قبول أنفسنا كما نحن، من دون الشعور برغبة ملحّة في إحداث تغييرات جذريّة في شخصيّتنا. حتى لو بدت هذه الجهود شاقّة وصعبة التحقيق، تأكّدوا أن الأمر يستحقّ العناء كليّاً. لنتذكّر دائماً أن حبّ الذات هو الخطوة الأولى في قصّة حب ستدوم مدى الحياة. بعد التفكير بهذا المسائل كلّها، ألا يستحق الأمر عناء بذل هذه الجهود للتصالح مع النفس؟

رأي الخبراء

ما معنى حب الذات؟

أن نتقبّل أنفسنا كما نحن، من دون تجميل صورتنا، على الرغم من عيوبنا. ويعني ذلك تقدير ذواتنا مع أننا غير كاملين. الأمر بمثابة تكوين صداقة مع الذات.

على ماذا يتوقّف هذا الحب الذي نحمله لأنفسنا؟

يتعلّق الأمر بلا شك بالحب الذي يغمرنا به أهلنا. إذا كنا نشعر دائماً بعمق حبّهم تجاهنا على الرغم من هفواتنا، فلا مشكلة لأنهم أثبتوا لنا أننا قادرون على حبّ أنفسنا على الرغم من عيوبنا.

ماذا يعني أن نحبّ الآخر في علم النفس؟

أن نعامل الآخر كما نعامل أنفسنا. يبدأ ذلك بالاعتراف بعيوبنا ومزايانا الخاصّة لنتمكّن بعدها من الاعتراف بمزايا الآخر على الرغم من عيوبه. حين نتحلّى بالقدرة اللازمة على حبّ أنفسنا كما نحن، عندها نتحلّى بالقدرة على حبّ الآخر بحسناته وعيوبه.

هل حبّ الذات شرط لا بدّ منه لحبّ الآخر؟

بكلّ تأكيد. للتمكن من حب الآخر من دون غيرة أو حسد أو ضغينة، ولعيش حب حرّ من جميع العوائق، لا بدّ من أن نحبّ أنفسنا. إذا كنّا نشعر بالحرمان والفقر على المستوى الإنساني كوننا لا نتحلّى بكثير من المزايا، أي أننا لا نثق بحسناتنا، لا يمكن في هذه الحالة الوثوق بالحب الذي يقدّمه لنا الآخر. فنعتبر أنه لا يرانا على حقيقتنا، وحين سيفتح عينيه على الحقيقة سيهجرنا، أو نشعر بالذنب ونعتبر أننا نتعدّى على غيرنا، فنحسّ أننا نخذل ثقة الآخر بنا. بما أنّ الحبّ يتطلّب حدّاً أدنى من الثقة، كيف يمكن أن نحبّ شخصاً إذا كنّا لا نثق بأنه يبادلنا الشعور؟