الاتهامات المتبادلة تطغى على «انتخابات الشورى» المصري
غضب «إخواني» من «تجاوزات» الحزب الحاكم... وإقبال ضعيف على صناديق الاقتراع
جرت في مصر أمس، انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى، على وقع اتهامات متبادَلة بين الحزب "الوطني" الحاكم و"الإخوان المسلمين"، علماً أن أجواء شد وجذب كانت سبقت انعقاد الانتخابات التي تعتبر بمنزلة "بروفة" لمواجهات لاحقة ين الطرفين في انتخابات مجلس الشعب والرئاسة. وبدا لافتاً ضعف الإقبال الذي شمل دوائر معروفة بكثافتها السكانية.
رغم الهدوء النسبي الذي خيَّم على مقار اللجان الانتخابية التي شهدت أمس، انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى (الغرفة الثانية للبرلمان)، فإن ذلك لم يحل دون وقوع الكثير من التجاوزات والخروقات الانتخابية لقواعد التصويت، ما أدى إلى تبادل الاتهامات بين الحزب "الوطني" الحاكم و"الإخوان المسلمين".ودفع عدد من المرشحين المعارضين والمنتمين إلى جماعة "الإخوان المسلمين" إلى التقدم بعدد من الطعون والشكاوى القضائية، وصلت إلى حد انسحاب ثلاثة من مرشحي الجماعة، وسط تهديدات بانسحاب جميع مرشحيهم من الانتخابات وعددهم 15 مرشحاً.في الوقت الذي أشارت فيه التوقعات إلى حسم المعركة الانتخابية لمصلحة أول مرشح معارض، وهو رئيس حزب "الغد" موسى مصطفى موسى، الذي سبق أن أعلن ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية، وفي حالة نجاح موسى سيحق له خوض الانتخابات الرئاسية، لأنه سيكون أول مرشح للحزب في انتخابات الشورى، وهو الشرط الرئيسي لخوض انتخابات الرئاسة.تجاوزاتاتهمت جماعة "الإخوان" في بيان لها أمس، السلطات المصرية باتخاذ عدد من الإجراءات والتدابير لعرقلة العملية الانتخابية، واستهداف مرشحي الجماعة، من خلال عدم إدراج أسماء عدد من مرشحيها في بطاقات التصويت، رغم حصولهم على أحكام قضائية تمكنهم من خوض الانتخابات، كما أقامت الجماعة دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري في القاهرة لوقف إجراءات العملية الانتخابية تماماً، وإلغاء قراري فتح باب الترشيح والتصويت الصادرين في 11 مايو الماضي، بالإضافة إلى وقف إعلان النتيجة في جميع دوائر الجمهورية، وليس فقط في الدوائر التي تنافس فيها الجماعة.وذكرت الجماعة في صحيفة الدعوى أن أجهزة الأمن ابتكرت عدداً من الوسائل للتصدي إلى مرشحي جماعة "الإخوان"، فأطلقت الأجهزة الأمنية مجموعة من الفتيات المتهمات في قضايا تتعلق بانتهاك الآداب للتحرش بالنساء المؤيدات لمرشح "الإخوان" في محافظة الجيزة.وأضافت أن الحكومة قامت باعتقال العشرات من المندوبين من داخل اللجان ومنعتهم من الدخول رغم تسجيلهم وتوثيق التوكيلات في دوائر الجيزة والمنوفية والدقهلية وكفر الشيخ، وهو ما يعد سبباً مباشراً لبطلان الانتخابات بجميع مراحلها منذ فتح باب الترشيح وحتى الفرز وإعلان النتيجة.ميدانياً، قامت أجهزة الأمن بفرض حصار أمني كثيف في عدد من الدوائر التي يواجه فيها مرشحو الحزب "الوطني" الحاكم"مرشحين من المعارضة، لمنع المرشحين من الإدلاء بأصواتهم، ووصل الأمر إلى حد اعتقال من يصر على الدخول إلى اللجنة والإدلاء بصوته مثلما حدث مع 9 من أنصار مرشح "الإخوان" عيد دحروج.وشهدت محافظة البحيرة إطلاق نار على أحد الناخبين (ويدعى عرابي) نتج عنه إصابته في قدمه، وترددت أنباء عن اختطاف صلاح الشيخ، المرافق للمصاب وتم اقتياده إلى جهة غير معلومة، كما تعدى أنصار مرشح "الوطني" فاروق صقر على سيارات أنصار المرشح الإخواني محمد الزيات وأضرموا فيها النيران بعد تحطيمها، وإصابة عصام جبريل أحد أنصار الزيات في رأسه.وفي محافظة الجيزة (جنوبي القاهرة)، شهدت عدة لجان انتخابية مشادات بين أنصار مرشح "الإخوان" عزب مصطفى، ومرشح الحزب "الوطني" يوسف خطاب وسيطر عليها رجال الأمن وتحرر محضر بالواقعة، بينما شهدت دائرة إمبابة إقبالاً غير مسبوق لمناصرة نقيب المحامين، ومرشح الحزب الحاكم حمدي خليفة، وفشل مرشح حزب "التجمع" المعارض عبدالرشيد هلال من دخول مقار اللجان الانتخابية لعدم حصوله على تصاريح لمندوبيه لمراقبة عمليات التصويت، مما جعله يحرر ثلاثة محاضر حول تعرض مناصريه للضرب قبل وصولهم إلى مقار اللجان الانتخابية.وفي محافظة كفر الشيخ سادت حالة من السخط مندوبي المرشحين المستقلين للسماح لمرشحة الحزب "الوطني" هدى الطبلاوي بالدعاية داخل اللجان بالمخالفة لتعليمات اللجنة العليا للانتخابات.وفي كفر الزيات، حدثت اشتباكات عنيفة بين عناصر من "الإخوان المسلمين" المؤيدين لمرشحهم عبدالحليم إبراهيم، وأنصار فتحي إسماعيل، مرشح "الوطني"، بعدما منعت أجهزة الأمن مندوبي المرشح الإخواني من دخول اللجان رغم حصولهم على توكيلات عامة من المرشح لمتابعة سير العملية الانتخابية داخل اللجان بحجة عدم اعتماد التوكيلات من قسم الشرطة، بالإضافة إلى وقوع مشادة عنيفة بين أنصار المرشحين، تطورت إلى اشتباكات بالأيدي، مما تسببت في إصابة مندوب مرشح "الإخوان" في وجهه، الذي حرر محضراً بالواقعة بقسم شرطة كفر الزيات.وفي الفيوم، حرر المرشح عن الحزب "الدستوري الحر"، محمد يونس رحيم، محضراً بقسم الشرطة، أرفق به 7 استمارات إبداء رأي تم تسويدها لمصلحة مرشح الحزب "الوطني" علي الشاذلي، كانت ملقاة خارج مقر إحدى اللجان.يأتي ذلك في الوقت الذي أكد فيه المراقبون التابعون لمنظمات المجتمع المدني أنهم تعرضوا للتعنت من قبل الأجهزة التنفيذية، في ما يتعلق بالسماح لهم بالدخول إلى اللجان، وهو ما أدى إلى عدم تمكن أي مراقب من الدخول إلى اللجان في الساعات الأولى للتصويت.ورصد مراقبو المجتمع المدني العديد من الانتهاكات، منها تأخر فتح مراكز الاقتراع لعدم اكتمال الأوراق اللازمة لذلك، والتعنت في تسلُّم توكيلات مندوبي المرشحين المستقلين في معظم مقار الاقتراع، بالإضافة إلى دخول عدد من الصناديق اللجان ممتلئة ببطاقات الاقتراع، وانتشار ظاهرة التصويت الجماعي لمرشحي الحزب "الوطني" وتقديم الرشاوى الانتخابية وتسويد البطاقات.وانتقد المراقبون عدم استجابة اللجنة العليا للانتخابات للأحكام القضائية الصادرة لعدد من المرشحين المستقلين والحشد الجماعي للناخبين باستخدام وسائل النقل المملوكة للدولة، بالإضافة إلى ممارسة أعمال بلطجة أمام بعض اللجان ومنع وسائل الإعلام والفضائيات من دخول اللجان.ورصدت عدة تقارير لمراقبة الانتخابات عمليات واسعة لتسويد البطاقات الانتخابية وإغلاق عدة صناديق مع بداية اليوم الانتخابي، وشراء الأصوات حيث بلغ سعر الصوت في بعض مناطق القاهرة 100 جنيه للرجال، و50 للسيدات، بالإضافة إلى استغلال حافلات هيئة النقل لعام لمصلحة مرشحي "الوطني".وبلغت الانتهاكات ذروتها في دائرة حوش عيسى وأبو المطامير في محافظة البحيرة التي شهدت إطلاق نار على أحد الناخبين المؤيدين لمرشح "الإخوان" محمد عوض الزيات الذي أعلن انسحابه ظهر أمس، احتجاجاً على ما وصفه بتجاوزات الشرطة في حق مندوبيه وأنصاره.وكشف التقرير الأول للجمعية المصرية للنهوض في المشاركة المجتمعية عن عدد من الانتهاكات الصارخة التي صاحبت العملية الانتخابية، ففي حلوان توجه مرشح "الإخوان المسلمين" علي فتح الباب للإدلاء بصوته، فاكتشف تصويت شخص آخر بدلا منه، وقال التقرير الذي يرصد الساعات الأولى للعملية الانتخابية إن "عملية تسويد البطاقات في حلوان بلغت حوالي 12 ألف صوت رغم عدم إقبال الناخبين"، هذا بخلاف الانتهاكات المتعلقة بمنع المندوبين.يأتي هذا في الوقت الذي أصدرت فيه اللجنة العليا للانتخابات بياناً أكدت فيه انتظام سير العملية الانتخابية في كل الدوائر وعدم تلقيها أية شكاوى حتى ظهر أمس، وأكدت أن دور الأمن يقتصر على حفظ الأمن والنظام دون الدخول إلى قاعة الانتخاب إلا بناء على تكليف من رئيس اللجنة. بينما أشار تقرير الجمعية المصرية إلى عدد من الانتهاكات المتعلقة بالتصويت الجماعي، وهو ما حدث في دائرة حدائق القبة بمحافظة القاهرة التي شهدت عمليات نقل وحشد جماعي إلى اللجان الانتخابية بدأت منذ الساعة الثامنة والنصف.وأوضح التقرير تكرار أعمال بلطجة في عدد من الدوائر مثلما حدث في دائرة المنصورة أمام مدرسة ميت علي، لمصلحة مرشح الحزب "الوطني" وضد أنصار مرشح "الإخوان"، كما تم منع دخول الناخبين.وفي القليوبية، رصد التقرير عدم تمكن الناخبين من الدخول إلا بالبطاقات الصادرة عن الحزب "الوطني"، كما أشار إلى تهديد الشرطة للناخبين في بعض اللجان بمنع سرية التصويت وإجبارهم على الإدلاء بأصواتهم أمامهم.وذكر التقرير الأول لـ "المنظمة المصرية لحقوق الإنسان" أن مراقبي المنظمة رصدوا تسويد بطاقات لمصلحة مرشحي الحزب "الوطني" في بني سويف والمنيا والغربية، بخلاف وجود بطاقات انتخابية ملقاة في شوارع بني سويف، مشيراً إلى انه "تم إبلاغ رئيس اللجنة العليا للانتخابات دون جدوى".أما "الجمعية المصرية لدعم التطور الديمقراطي" فرصد البيان الصادر عنها عدداً من الانتهاكات، وأفاد بأن "الانتخابات بدأت وسط أجواء غير إيجابية توحي بعدم الحيادية وانتفاء مبدأ المساواة بين المرشحين والإخلال بتكافؤ الفرص".الحزب الحاكم يتَّهم «الإخوان»من جانبه، أصدر "الحزب الوطني" الحاكم بياناً اتَّهم جماعة "الإخوان" المحظورة بارتكاب مخالفات بغرض تعطيل الانتخابات.وذكر البيان أنه في دائرة أبوالمطامير في محافظة البحيرة - وبالتحديد أمام المقر الانتخابي بالمدرسة الحديثة الابتدائية في مدينة حوش عيسى - تعرض حوالي 150 ناخباً من المؤيدين لمرشح الحزب في الدائرة للضرب بالعصي والحجارة، بعد أن تم اعتراض طريقهم من قبل مناصري مرشح الجماعة المحظورة، وحاولوا منعهم من الإدلاء بأصواتهم، الأمر الذي أدى إلى إصابة 4 من مؤيدي مرشح الحزب و2 من مؤيدي الجماعة، وتم تعطل سير العملية الانتخابية لما يقرب من الساعتين إلا أن ما أشاعته الجماعة عن حدوث إطلاق نيران هو مناف للواقع وغير صحيح على الإطلاق.وفي محافظة الغربية، قام المرشح المستقل حمدي رضوان التابع للجماعة المحظورة باقتحام المقر الانتخابي بقرية ابشواي والتعدي بالضرب على مسؤولي اللجنة القائمين على عملية الاقتراع والتابعين للجنة العليا للانتخابات، وحرق عدد من صناديق الاقتراع وقد قام مندوب مرشح الحزب بالإبلاغ عن هذه الواقعة وتحرير محضر بها.وفي محافظة حلوان منع مندوبو مرشح الجماعة المحظورة من التواجد داخل المقر في أطفيح، بعد أن تبين أن التوكيلات المحررة لهم توكيلات مزورة.ووصل الأمر في محافظة الدقهلية إلى أن المرشح المستقل محمد الشافعي وأتباعه قاموا بالهجوم على مدرسة كفر الحجاج الابتدائية بالستايتة... وقام بالاعتداء على الأمن ومسؤولي اللجان بالسلاح الأبيض، كما قاموا بحرق عدد من صناديق الاقتراع.ضعف الإقبالوشهدت الانتخابات أمس إقبالاً ضعيفاً، الأمر الذي أجبر عدداً من قيادات الحزب "الوطني" على الاعتراف بضعف الإقبال، لدرجة أن أمين التنظيم في الحزب "الوطني" أحمد عز أشار في تصريحات صحافية إلى أنه يتوقع أن يكون الإقبال في انتخابات الشورى أقل منه في انتخابات مجلس الشعب.من جانبه، برر الأمين العام للحزب "الوطني" صفوت الشريف ضعف الإقبال على انتخابات الشورى، باتساع نطاق الدوائر الانتخابية، مشيراً إلى أن معدلات الإقبال في انتخابات الشورى من الطبيعي أن تكون أقل من نظيراتها في انتخابات الشعب، بل إنها قد تصل إلى الثلث فقط، لا سيما أن عدد المقاعد التي يجرى الاقتراع عليها لا يزيد على نحو 9 في المئة من عدد المقاعد التي يجري الاقتراع عليها في مجلس الشعب.واللافت للنظر أن ضعف الإقبال شمل دوائر معروفة بكثافتها السكانية في القاهرة مثل دائرة الدقي التي سيطر الحزب "الوطني" فيها على الصناديق وشهدت اللجان إقبالا محدوداً من المواطنين، إلا من ناخبي مرشح الحزب "الوطني"، بينما شهدت إمبابة فقط إقبالاً غير مسبوق لمناصرة حمدي خليفة نقيب المحامين ومرشح الحزب "الوطني"، حيث شهدت اللجان إقبالا من المواطنين والمحامين، بينما لم يجد المرشح المستقل أحداً لمناصرته.وفي محافظة 6 أكتوبر شهدت اللجان الانتخابية هدوءاً لا مثيل له، حيث لم تستقبل اللجان ناخبين حتى الساعة الحادية عشرة، خاصة في لجنة قرية "طموه" التابعة لمركز أبو النمرس، حيث قاطع الناخبون اللجان الانتخابية، نظراً إلى امتناع مرشح الشورى عن الحزب "الوطني" عن الحضور إلى القرية باعتباره ناجحاً رغم أنف الجميع.وفي محافظة القليوبية (شمال القاهرة) مرت انتخابات الشورى في هدوء معتاد، على الرغم من وجود مخالفات في بعض اللجان في محافظتي الجيزة والقليوبية، إلا أن الحزب "الوطني" ظل الأكثر استفادة من هذه الانتخابات.«الإخوان» والقضاءلم تجد جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر، ملجأ لها غير القضاء، إثر سيطرة الأجهزة الأمنية على عملية التصويت في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى، وبعدما تأكدوا أن الانتخابات تم تزويرها - بحسب بعض قيادات الجماعة - ومنع الأمن مندوبي مرشحيهم من مراقبة عملية التصويت، والاعتداء على أنصار المرشحين، قدموا دعوى قضائية باسم مرشحي الجماعة الأربعة عشر، أمام محكمة القضاء الإداري، لوقف إجراءات العملية الانتخابية في جميع الدوائر.