أحب مصر بالرغم من أني لست من كثيري السفر إليها، فرحلاتي إلى «أم الدنيا» لم تتعد أصابع اليد الواحدة، لكنني مع ذلك أحبها كثيرا لأسباب عديدة، أولها الفكرة الظريفة القائلة بأن «المصري مع الكويتي من المهد إلى اللحد»، وهي فكرة وإن كانت قد تغيرت اليوم إلى حد ما، وهو حد ليس ببعيد، إلا أنها صحيحة مئة في المئة منذ عدة سنوات، فالمصري كان، ولا يزال، موجودا في أغلب مسامات المجتمع الكويتي، وعلى كل درجات السلالم الوظيفية.
هل يمكن أن نتخيل الكويت بلا مصريين؟! مستحيل... وهل يمكن أن نتخيل الكويتيين بلا سفر إلى مصر؟! لا يمكن.وكذلك أحب مصر لأنها أم الثقافة والأدب والفن... مئات الكتب التي كنت محظوظاً بقراءتها خلال سنوات عمري الماضية كتبها مصريون، وعليه فقد تعلمت من المصريين الكثير ومازلت أتعلم، وهذا العلم هو الذي شكل كثيراً من نظرتي وحكمي على الأشياء.وأحب مصر لأن شعبها شعب عظيم، خفيف الدم، لا تفارقه الظرافة أبداً، يتسامى دوما فوق كل صعوبات الحياة، فيهديك نكتة ممزوجة بضحكة صافية خالصة من القلب. الشعب المصري مبدع بحق... كل ما يحتاجه هو أن تعطيه الفرصة لذلك، واجلس بعدها لتستمتع بالناتج... ومن لا يصدق هذه بالذات، فليتابع، وهذا مثال بسيط، أقول فليتابع الإعلانات التلفزيوينة التي تبثها القنوات المصرية أخيرا... هذه بحد ذاتها مدرسة من الإبداع في الفكرة والأسلوب والتنفيذ، أتمنى أن يتعلم منها جماعتنا.منذ فترة كنت أشاهد مباراة للمنتخب المصري، وكان الجمهور المصري يحمل يافطة كبيرة مكتوب عليها «سبعة آلاف سنة ويستمر الإبداع»... أليست هذه اليافطة إبداعا؟! في يدي هذه الأيام «كتاب مالوش اسم» وهذا اسمه في الحقيقة فهو بعنوان «كتاب مالوش اسم» لشاب ألمعي اسمه أحمد العسيلي... كتبه بالعامية المصرية، بظرافتها وخفتها التي تعرفون، وبالرغم من أني من معارضي الكتابة بالعامية، فإن هذا الكتاب بالذات جميل السبك عميق الأفكار، وسأتنازل وأقبله كما هو، بل سأنصح به، وانطلاقا من هذا الكتاب كنت أجول الإنترنت منذ فترة فوصلت مصادفة إلى موقع اسمه «مصري» وشعاره «ما ينفعش نغمض عنينا»، مكتوب بذات العامية تقريباً، وكل ما فيه جميل، لكن من أجمل ما وقفت عنده هو صفحة اسمها ميثاق شرف التعليقات... أعجبتني كثيرا، لذلك وبالاستئذان من الموقع سأشارككم بما جاء فيها... حيث تقول:(مجلتنا منبر للحرية ومفتوحة للمناقشة بكل صراحة وقوة... لو قلت الشمس بتطلع من الغرب بدل الشرق أتوقع الرد... بس مش أي رد، يعنى لما ترد بـ: يا (بييييب) إنت ما تفهمش حاجة دي بتطلع من الشرق، أو إني أتريق على الكاتب شخصياً بأي صورة... فهذه إهانة لا تبررها الجهالة. لكن الرد المتحضر والراقي والحر هو: الشمس تشرق من الشرق بدليل أن النهار يبدأ في الشرق الأقصى قبل أوروبا... برجاء التأكد من المعلومة قبل أن تكتبها. هذا المثال المبالغ فيه للتوضيح ليس إلا... وليس معناه أننا لا نتحرى الدقة العلمية في أي موضوع أو رأي نعرضه في المجلة. ولكن هذا ليس معناه أن من يخطئ أنزل لمستواه... لو أنا شخص محترم أطلب منه يراعي أسلوبه، مش أعوم على عومه.ده ميثاق الشرف لكل من يريد أن يعلق على أي شيء في المجلة... وينطبق علينا كمحررين قبل قرائنا. وأضيف إليه أنه من الممنوع والمحرم تماماً أي إهانة لبلد أو ديانة. ومرتكب هذه الجريمة الأخيرة ليس له عذر بأنه أُهين أولاً. عفة اللسان ومراعاة الأوطان والأديان إجبار وليس اختيار... وعلى كل كاتب وكاتبة في المجلة أن يكونوا قدوة في هذا في تعليقاتهم.إدارة مجلة مصري مسؤولة أدبياً عن كل ما ينشر بالمجلة، ولكن التعليقات مسؤولية كل معلق، سواء كان كاتباً أو قارئاً. ونحن لا نريد أن نتدخل بالتغيير في تعليق معين حتى لا نصبح عنصرا رقابيا يمنع القارئ من أن يقول رأيه عندما يجد أن كلامه قد تحور... ولكننا نتدخل لو كان التعليق به لفظ غير لائق، وذلك بحذف اللفظ ووضع *** مكانه.لكننا في نفس الوقت نحاول أن نكون عادلين جداً... ونقول للمنطق الأعور إنت أعور مع سرد النقاط التي تعزز منطقنا ورأينا، وذلك بغض النظر عن جنسية هذا المنطق أو دينه أو لونه أو وضعه في المجلة. ونحن لا نخشى في ذلك غضب كاتب أو قارئ ما دمنا مقتنعين بما نفعل ونمتلك القدرة على شرح موقفنا بطريقة منطقية منظمة... وفي نفس الوقت نحن على استعداد للاعتذار عند ثبوت خطأ منطقنا عن طريق حوار متحضر وبناء... أرجو أن أكون قد أوضحت ميثاق شرف نشر التعليقات في المجلة، والذي لابد أن يلتزم به كل كاتب وقارئ من أجل مصلحتنا وتحضر حوارنا كلنا... فمحدش يحب يقرأ الإهانة، حتى لو كانت مش موجهة له). ميثاق مكتوب بالعامية، ولكن أفكاره من ذهب، وهو درس «راق» للكتاب عشاق «العامية» من زملائنا الذين يخلطون بين بساطة اللغة التي تدخل إلى القلب مباشرة والإسفاف، وكذلك لأصحاب المواقع الإلكترونية من جماعتنا الذين لايزالون يتذرعون «بحرية التعبير» لممارسة واحتضان قلة الأدب!
مقالات
مصر أم الدنيا... وميثاق شرف التعليقات!
28-01-2010