واشنطن ترمم جسورها المتقطعة مع طهران!
مرة أخرى تخرج طهران من أزمتها النووية مع الغرب بـ»فترة سماح» جديدة اضطر إليها الأوروبيون، كما الأميركيون، في قمة الدول الصناعية الثماني بعد أن أيقنوا أن الخيار العسكري تجاه إيران كارثي بكل معنى الكلمة كما عبر ساركوزي، وأن المجتمع الدولي الذي لطالما ادعت تل أبيب وواشنطن أنه متحد ضد طهران، إنما هو أوهن من أن يحسم قرار مواجهة حقيقية مع طهران، كما أثبتت تصريحات الأميركيين المتخبطة تجاه طهران في الآونة الأخيرة!
من جهة أخرى، فإننا لا نعرف بالضبط ما إذا كان الخيار الأميركي قد انتصر على الخيار الأوروبي في العلاقة بين الغرب وطهران، إلا أن القدر المتيقن هو أن إشارات مهمة تلقتها طهران خلال الأيام القليلة الماضية من واشنطن تفيد بأن الأخيرة راغبة، كما كان، في إطلاق الحوار الثنائي المنقطع بين العاصمتين اللدودتين!ولكن أن تذعن واشنطن في مثل هذه الظروف إلى إطلاق سراح الدبلوماسيين الخمسة الذين كانت تحتجزهم سنوات في معسكراتها داخل المدن في العراق، إنما يشكل في نظر المتابعين إشارة إيجابية واعية كان الهدف منها إعلان الرغبة المجددة من جانب الأميركيين للعودة إلى طاولة المفاوضات المباشرة!وإذا ما أخذنا «الغزل» الإيراني-الياباني المتبادل عبر تشجيع طهران لخيار طوكيو لرئاسة الوكالة الدولية للطاقة الذرية خليفة للبرادعي وإطلاق الأخير تصريحاً لا لبس فيه بأنه لا يملك أي أدلة تثبت تورط طهران في السعي نحو التسلح النووي، فإن ذلك يؤكد وجود شيء ما يتحرك تحت الطاولة بين الإيرانيين والأميركيين يعمل باتجاه اعتماد واشنطن بدلاً من الاتحاد الأوروبي شيئاً فشيئاً في المفاوضات المقبلة بين إيران والغرب، لاسيما إذا ما علمنا بالعلاقة الوطيدة بين طوكيو وواشنطن!في هذه الأثناء، لا يمكننا إلا تأكيد أن طهران قد تمكنت بالفعل من إيقاف اندفاعة الاتحاد الأوروبي بقيادة الثنائي البريطاني-الفرنسي بخصوص محاولاتهما لنقل الأزمة المندلعة بينهما على خلفية الحدث الانتخابي الإيراني إلى الصعيد الدبلوماسي، عبر التهديد المكرر بسحب السفراء من العاصمة الإيرانية بعد أن ثبت عدمية مثل هذا السلاح واضطرار غوردون براون إلى الإعلان الصريح بأن الحدث الانتخابي الإيراني، إنما هو حدث داخلي محض ولا نية لبريطانيا للتدخل فيه!ثمة تسريبات غير مؤكدة لكنها متداولة في الأروقة الخلفية تفيد بأن طهران بصدد المطالبة باستبدال الطرفين البريطاني والفرنسي بكل من إسبانيا وإيطاليا في المفاوضات الخاصة بالملف النووي، في حال أصر الغرب على اعتماد الخيار الأوروبي طرفاً أساسياً للحوار!وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار، أن ثمة تفاهمات كبرى قد حصلت بين الأميركيين والروس في قمة أوباما-ميدفيديف، قيل إن ملف إيران النووي كان في صلبها، فإن التحليل القائل بأن احتمال انتصار خيار واشنطن للتفاوض المباشر مع طهران يكون أقرب إلى القوة، لاسيما إذا ما وضعنا بعين الاعتبار أن موسكو لطالما أرادت اللعب بالورقة الإيرانية بشكل مباشر وأكثر قوة في «حربها الباردة» الجديدة مع واشنطن! لا أحد يستطيع الجزم بالوجهة التي ستتخذها الأزمة الإيرانية النووية بعد انتهاء ما يُسمى بفترة السماح الجديدة، إلا أن الأمر الذي بات مؤكداً من جديد، هو أن طهران دولة نووية سلمية بات من مسلمات العلاقات الدولية الجديدة والمعادلة الكونية المتعددة الأقطاب!وأن التهديدات الإسرائيلية التي تطلق بين الحين والآخر حول نية تل أبيب بتوجيه ضربة عسكرية إلى طهران، ليست سوى ظاهرة صوتية ونوع من عرض عضلات يضطر إليها الحاكم الإسرائيلي بين وقت وآخر، حفاظاً على قدر ما من «الوظيفة» المتداعية لهذا الكيان تجاه سيده الأميركي، بعد هزائمه المتلاحقة على أكثر من ساحة، كلما أوكلت إليه مثل تلك المهام!وبما أننا نعيش الذكرى السنوية لحرب تموز العدوانية على لبنان، فلأنه لا بأس من تذكير كل من يهمه الأمر بأنه لطالما تحدثت التقارير من بعد ذلك بأن الهزيمة المرة التي تلقاها العسكر الإسرائيليون في تلك الأيام، إنما كان تجربة مصغرة جعلت حكام تل أبيب يتوبون ربما عن فكرة مواجهة إيران إلى الأبد!أعرف أن بعض إخواننا من المسؤولين العرب، كما من النخب العربية المخاصمة وغير المخاصمة لإيران، قد لا يريد تصديق مثل هذه التخمينات المطمئنة. وقد يكون تأثر، قليلاً أو كثيراً، بالحملة الإمبراطورية الإخبارية الأخيرة القائلة بوجود ما يشبه العاصفة أو الطوفان الذي يحيط بنظام الحكم في طهران، وأن الغرب يكاد يطبق على رقبة طهران وملفها النووي!لكن ما أعرفه أيضاً أن بعض الغرب المتعصب والعصبي، كما أصدقاءه المنبهرين أو المتأثرين به لايزالون بعيدين جداً عن القراءة الرزينة والموضوعية والدقيقة لإيران مجتمعاً ونخباً، كما نظام حكم الذي هو في واقع الأمر أقوى مما يتصورون، وسيفاجئهم في كثير من الساحات من حيث لا يشعرون، والأيام والأسابيع القادمة ستكشف عن حقائق وأرقام وأحداث قد تصدم هذا البعض المستأنس لما يرضيه من حملة «إيران-فوبيا» المغشوشة!* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني