التمييز بين المرأة والرجل هو نوع من العنف الثقافي الذي يخفي بين طياته إنكارا لدور المرأة المهم في المجتمع والاستقلالية المطلقة عن سطوة وسيطرة الرجل، كما أنه يؤسس ثقافة جديدة لحالة التردي في المجتمع سببه المرأة باعتبارها خارجة عن العرف الاجتماعي وتراتبية الأدوار التي أسسها المجتمع الذكوري.

Ad

تعود بين الفينة والأخرى قضية المرأة وحجابها سابقا والرياضة حاليا، بسبب ما تبثه هذه الأنثى من سمومها في المجتمع، وتعود معها الحملة الغوغائية لإخضاع المرأة لسلطة الرجل المهيمن عليها بسبب ثقافة الصحراء، وعودتها للتبعية وللنظام الأبوي المفروض والمتأصل في الثقافة البدائية العربية على المرأة، باعتبارها كائنا ضعيفا لا يُؤمن منها الشر المتأصل فيها، وتستمر الهيمنة الذكورية بإبرازها في صور كثيرة (العورة، الخائنة، وصاحبة الخطيئة الأولى في إخراج آدم من الجنة) لإخضاعها لسلطة الرجل القيم والحارس الأمين على شرفها ووعائه الجنسي لتستمر معه المبررات لوأد المرأة وإعادتها إلى حظيرة البيت أو تزويجها دون إذنها أو قتلها بدافع الشرف.

إن استمرار عودة تلك الثقافة الاستبدادية ضد المرأة بصور متعددة ومختلفة، هو بسبب استمرار الخطاب الكهنوتي المتطرف ضد المرأة بحجة أنها ناقصة (عقل ودين) وقليلة الوعي وسرعة انحرافها لاعتمادها العاطفة في الحكم على الأشياء لا من منطلق العقل الذي يتميز به الرجل والأنثى عن سائر المخلوقات، متناسين بذلك الجرائم التي ارتكبها الرجل ضد البشرية ومعاناة الكثير من الناس بسبب السلطة والثقافة الاستبدادية التي مُنحت للذكر، ولا أسبب الدمار للذكر تطرفا مني ضد الرجل، بل باستخدام الأطر الثقافية نفسها التي تبرر ثقافة الاستبداد ضد المرأة والذي حملها الرجل عبر قرون خلت من التغييب المتعمد لدور المرأة في بناء الحضارة.

فالتمييز بين المرأة والرجل هو نوع من العنف الثقافي الذي يخفي بين طياته إنكارا لدور المرأة المهم في المجتمع والاستقلالية المطلقة عن سطوة وسيطرة الرجل، كما أنه يؤسس ثقافة جديدة لحالة التردي في المجتمع سببه المرأة باعتبارها خارجة عن العرف الاجتماعي وتراتبية الأدوار التي أسسها المجتمع الذكوري، وهي التربية المنوطة بها لتربية الأطفال وتهيئة البيت من أجل الرجل، لتصبح المرأة الحاضن الجنسي والتربوي دون النظر إلى المرأة واحتياجاتها النفسية والعقلية لتعطي نفسها مبررا لوجودها ودورها الفعال في تطور المجتمع.

يقول المفكر نصر أبوزيد في كتابه «دوائر الخوف»: «والنصوص الدينية في قضية المرأة تشير إلى مساواتها في أمر الثواب الديني الأخروي، وأن النصوص القليلة التي تمثل الاستثناء هي النصوص التي تشير إلى عدم المساواة في شؤون الحياة الدنيا، هي نصوص ذات دلالات تاريخية اجتماعية، وإنه يجب أن يعاد تأويلها».

والنداءات التي مازالت تتردد صداها حول إمكانية إعادة التأويل للنصوص الدينية وقراءتها بحسب الزمان والمكان والبيئة التي نشأت فيها النصوص. وبعيدا عن سلطة النص الحاكم، يبقى التراث الديني أسير سلطة التفسير الديني التقليدي والماضوي القائم على الأحاديث والمرويات التي لم تنتهج نهجا منطقيا في روايتها سوى لأنها قيلت عن أحد الصحابة أو الأئمة، ومرورا بتاريخ المؤسسة الدينية القائم على منهج فقهي قائم على التبعية والجمود، والتي لم تحدث تغييرا لوضع المرأة الآخذ بالتدهور يوما بعد يوم خصوصا ما نسمعه في الأخبار حول زواج البنات الصغيرات وقضايا الأحوال الشخصية في المحاكم شاهد على مدى سوء حال المرأة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية.

التيار الأصولي يغذي هذه السطوة القهرية على المرأة كل يوم ومن قبل بعض النواب حول رياضة المرأة وحجاب النائبات والضوابط الشرعية لأي مجال تكون فيه للمرأة كلمة وموقف جريء قد يهز عرش الرجل ويهدد وجوده.

لكن المرأة الكويتية التي انتزعت حقها بالعمل السياسي رغما عن أنوف أصحاب التيار الديني المتطرف قادرة لترد بقوة على المتجهمين، بل استطاعت بوقت قياسي أن توصل أربع نائبات إلى البرلمان في سابقة تاريخية تسجل للمرأة الكويتية رغم حرب الفتاوى وتهديد الناخبين بالنار والويل لمن يدلي بصوته لامرأة، ومازال طريق الصراع طويلا مادام التطرف يعبد طريقهن بالشوك أمام اللاتي يحملن الشوك في الورود، فتحية لنساء الكويت اللاتي أثبتن قدرتهن على مواجهة الصعوبات، وتحية خاصة للجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية ودورها الفعال والبارز في رسم صورة جميلة لكويتنا أمام العالم.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة