أوباما: البائع المثالي للقرن الـ21
خطبة الرئيس باراك أوباما في القاهرة درس مكثف ومتعدد الأبعاد في فنون القيادة والخطابة والدبلوماسية والتسويق، أتمنى لو يصل بعضها إلى رؤسائنا وأمرائنا وملوكنا لعلنا- على الأقل- ننصت إلى خطبهم كما أنصت العالم بأجمعه إليه.كأي بائع ناجح قام أوباما بدراسة موضوعه ببحث عميق نرى آثاره خلال كل الخطبة، فجاءت مدعومة باقتباسات مألوفة لجمهوره أو جديدة ومثيرة لاهتماماتهم الخاصة، فذكر آيات من القرآن الكريم، وأكد دور الحضارة الإسلامية في انتشال أوروبا من عصور الظلام، وأعطى المسلمين فضل تقديم أصول الجبر واختراع البوصلة والطباعة للعالم، وأثنى على إثرائهم الشعر والموسيقى وجمال الخط العربي، وأشار إلى العلاقة المميزة للإسلام بتاريخ أميركا تحديدا بذكر المغرب كأول دولة تعترف بالولايات المتحدة واقتباسات من مذكرات الرؤساء الأوائل حول مميزات الدين الإسلامي، والأجمل بنظري إشارته إلى النسخة الخاصة بتوماس جفيرسون للقرآن، التي استخدمها أحد ممثلي الكونغرس أخيرا لتأدية قسمه الدستوري، وهي إشارة مباشرة لتاريخ الدولة مع الإسلام وغير مباشرة لتسامح الدولة واحترامها للأديان الأخرى، الأمر الذي أكده في جوانب أخرى من الخطبة، حين أشار إلى وجود 7 ملايين مسلم في الولايات المتحدة يشكل دخلهم أعلى من المتوسط العام، ويتمتعون بممارسة كل شعائرهم وكل حقوقهم بما فيها ارتداء الحجاب وأداء الزكاة.
الأهم هو استخدامه للغة المناسبة للقطاع المستهدف من الجمهور، فلم يكن يخاطب الأنظمة أو الرؤساء بل عامة الشعب بشكل عام وللشباب منهم بشكل خاص، ولم يقتصر تجيير اللغة على استخدام الكلمات والمصطلحات العربية مثل «السلام عليكم» و«شكرا» و«القرآن» و«الأزهر» و«الأذان» و«الحجاب»، ولكنه خاطب الجمهور من منظورهم ووضع على المائدة بكل وضوح كل ما يدور في أذهانهم سواء حول التوتر القائم بين الإسلام والغرب ودور الاستعمار قديما والعولمة حديثا في تغذية هذا التوتر، أو دور أنظمتهم في تقييد الحريات، أو الصراع الديني والطبقي داخل مجتمعاتهم، وأكد تفهمه لرغبة الشعوب الإسلامية في العيش بسلام وأمن وتحقيق عيش كريم لأسرهم وتوفير التعليم المناسب لأبنائهم كما تطمح كل شعوب العالم. وكالبائع المحترف عرض على جمهوره بوضوح وشفافية القضايا التي يسوق لها: الإرهاب والتطرف، القضية الفلسطينية، التسلح النووي، الديمقراطية، الحرية الدينية، حقوق المرأة وأخيرا التنمية الاقتصادية والتطور التكنولوجي معترفا بهواجس جمهوره وأخطاء بلاده وداعيا التجاوز الماضي والتقدم.وكالبائع الشريف اعترف بعيوب وقصور «منتجاته» كما قد يراها جمهوره، فأصر على محاربة «القاعدة» وكل من يحمل فكرها، ولم يخفِ إيمانه بحق اليهود التاريخي بأرض الميعاد ولا أستحي من فضح تناقض مواقف الأنظمة العربية أمام المايكروفون وخلف الأبواب المغلقة، ووازن ذلك بالبدائل المتاحة وهي التناحر والحروب والتخلف والفقر والمرض وكل ما تعانيه المنطقة من ضغوط ومخاوف. وحتى ينهي الصفقة بنجاح لم يغفل أوباما الجانب العاطفي بإثارة الحنين للماضي والنرجسية بربطه قضاياه بتاريخ جمهوره والإيجابي في واقعهم، فذكرهم بالتسامح الديني في الأندلس وغرناطة والحرية الدينية في إندونيسيا وبدعوة السعودية لحوار الأديان والدعوة التركية لتقارب الحضارات، ونجاح المرأة في تركيا وباكستان وبنغلادش بتبوء مراكز قيادية «في حين مازالت المرأة في أميركا تعاني التمييز»، وأخيرا التذكير باتفاق التلمود والإنجيل والقرآن على القاعدة الذهبية التي تدعو الإنسان إلى التعامل مع الآخرين بالطريقة التي يود أن يعاملوه بها.خمسون دقيقة من المعلومات والأرقام والتفاصيل بأسلوب البائع الفعال والشيق، وبشفافية وقوة وحزم القائد الذي لم يكن مضطرا لها، وكان بإمكانه الاستمرار بسياسة سلفه الذي آثر المعاهدات السرية والاتفاق مع الأنظمة خلف الأبواب المغلقة، ولكنه يراهن على الشعوب لا الأنظمة، واختار الشفافية بدلاً من التآمر، فلنأمل أنه قام بالرهان الفائز! كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء