إن عملية اغتيال العالم الفيزيائي مسعود علي محمدي هي الخطأ الاستراتيجي القاتل الذي ارتكبته مخابرات العدو الإسرائيلي بغباء، والتي لن يمضي وقت طويل حتى تكتشف عمق مثل هذه الحماقة.

Ad

فبعد فشل اللعب على وتر صناديق الاقتراع وحرية التعبير وحقوق الإنسان في شق الشارع الإيراني، عادت إسرائيل بعملها هذا إلى المربع الأول في الصراع المفتوح بينها وبين إيران.

فقد وحد هذا الاغتيال البشع الشارع الإيراني من جديد حول إنجازهم القومي والثوري الأهم، والذي لا يختلف عليه اثنان، ألا وهو المشروع النووي السلمي، لقد ظنت المخابرات الإسرائيلية ومعها المخابرات الغربية خطأ بأن مثل هذه الخطوة قد تشعل الشارع الإيراني اختلافا حول من يتبنى هذا «الشهيد النووي» إذا جاز لنا التعبير، وذلك بعد أن فشلا في إشعال نار الفتنة في هذا الشارع طوال الشهور السبعة الماضية على وقع اغتيالات سابقة طالت قوى المعارضة والموالاة على حد سواء.

لكن ظنها سرعان ما خاب عندما جاء تأثير الخطوة بالاتجاه المعاكس تماما، إذ أجمعت كل القوى الداخلية المعارضة كما الموالية للرئيس أحمدي نجاد على أن من اغتال هذا العالم الجامعي الكبير هو عدو إيران والإيرانيين، وأنه لا يريد لهم العزة والقوة والسؤدد كما جاء في تعبيرات مختلفة لكل من الرئيسين السابقين محمد خاتمي وأكبر رفسنجاني المختلفين مع الرئيس نجاد تماما كما كانت تعبيرات الموالين له.

إنها الذاكرة الإيرانية التاريخية التي لا يصيبها الصدأ، والعقل الجمعي الإيراني الذي لا يخطئ عدوه، واللذين يبدو أنه تم إيقاظهما من غفلة ولو قصيرة كانت تريد حرفهما عن اتجاه البوصلة الصحيح. لقد قال لهم أحمدي نجاد يوما: إياكم والتحرش بالأسد الإيراني من خلال المس بذيله!

وهم، إذ لم يدركوا عمق ما قيل، لشدة حماقتهم وغبائهم، لم يكتفوا بهذه الخطوة الحمقاء الآنفة الذكر، والتي ستجعل الأسد الإيراني أكثر تأهبا ليس فقط للانتقام والرد القاسي بالإضافة إلى توحيد الشارع الإيراني كما مر ذكره، بل قاموا بارتكاب حماقة أخرى عندما ارتكبوا ذلك العمل المسيء بحق دولة تركيا المسلمة، فأيقظوا بذلك السلطان العثماني أيضا ليدفعوه أكثر فأكثر باتجاه التحالف مع سورية وإيران.

إن ما حصل خلال الشهور السبعة الماضية من تدخلات أجنبية فاضحة في الشؤون الإيرانية، تحت عناوين مختلفة من إعلان الحرب الناعمة إلى محاولة القيام بثورة مخملية أو ملونة، كانت في الواقع محاولات يائسة، القصد منها الضغط المباشر على طهران من أجل إجبارها على التخلي عن قرارها الحازم بالدفاع عن حقوقها المشروعة في الحصول على الطاقة النووية للأغراض السلمية، أو التخلي عن قرارها الثوري والمستقل القاضي بدعم المقاومتين اللبنانية والفلسطينية بكل الوسائل الممكنة!

ولما فشلت كل تلك الجهود وذهبت هباء منثورا، وبان العجز لدى أجهزة المخابرات الغربية المختلفة، وانكشفت عوراتها أمام صمود صاحب القرار الإيراني، لجؤوا إلى خيار الموساد السافل والحقير دوما ألا وهو النيل من العلم والعلماء الذين لا حيلة لهم في الدفاع عن أنفسهم، تماما كما فعلوا ويفعلون مع علماء العراق، ومن قبل مع علماء مصر وغيرهم من علماء العالمين العربي والإسلامي.

أيا تكن قيمة خسارة هذا العالم، فإنه قد صعد إلى الرفيق الأعلى راضيا مرضيا تماما كما هم شهداء المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق وأفغانستان، بعد أن تركوا وراءهم أجيالا ممن لا تستطيع مخابرات إسرائيل ولا الأكبر منها أن تكتشفهم فضلا عن أن تغتالهم!

فـ«بقية السيف أنمى عددا وأكثر ولدا» كما يقول المأثور الإسلامي، وهو ما سيرونه في الأيام القادمة من زمن الحرب المفتوحة بين هذا العدو الغبي الذي باتت أيامه عدداً وبات جيشه بدداً، وبين من قرروا النيل من هذا العدو في أول فرصة ليزداد ألماً ووجعاً فوق ألمه ووجعه في العراق وأفغانستان ولبنان وفلسطين والمستقبل القريب كفيل بحسم المعركة الكبرى المرتقبة لمصلحة العرب والمسلمين.

فالدنيا تغيرت والغرب لم يعد هو الغرب والشرق لم يعد هو الشرق، ومدللة الغرب باتت قاب قوسين أو أدنى من التصدع ومن ثم الانهيار والدمار والزوال.

إنها الحتمية القرآنية التي كنا نتداولها، وها هي اليوم تقترب من التحقق بأيديهم وأيدي المؤمنين!

*الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة