عدد قراء الصحف ينكمش هذه الأيام كما تنكمش معدة الجائع، والصحف الورقية في هذه الفترة تختصر عدد صفحاتها توفيراً للمصاريف، وتلعن الساعة، والدقيقة. وشهرا يوليو وأغسطس اللذان يمثلان للبعض آلهة السعادة والصرمحة والطرب، يمثلان لبعض الصحف آلهة المجاعة والكآبة والخسائر الفادحة. وما لم يتكفل الباشا بمصاريف جريدتك من المال العام، فستقول "أح" بأعلى صوتك. كان الله في عونك، كان يجب أن ترتّب أمورك معه ليتكفل بالجمل وما حمل.

Ad

وهذه الأيام بالنسبة للمحرر الصحافي، الحلقة الأضعف يا عيني، هي مرحلة عنق الزجاجة الضيقة، فتشاهده ممسكاً بأطراف أعصابه محاولا التماسك إلى أن تمر العاصفة، وبعضهم يُنسي الناقة الخلوج موت ولدها، إذ يبدأ بعض ملاك الصحف في التفكير في تقليص المصروفات، فيأتي مدير الحسابات بالفاتورة ويضعها على طاولة مالك الصحيفة، فيتلفت يمنة ويسرة، ثم يلجأ إلى الحل الأسهل، تقليص عدد المحررين، هكذا ببساطة، فتتبهدل أسر وعوائل، وتسقط مهنية الصحيفة على رأسها، لكن هذا لا يهم، فالقارئ الكويتي، في الأغلب الأعم الأغم، لا يلاحظ الفروقات، مهما بانت واتضحت، هو يقرأ فقط كاتبه أو كتّابه المفضلين، ومانشيت الصفحة الأولى، هذا إذا قرأها، ويغلق الجريدة ويبدأ الحديث عن السياسة تارة، والحديث مع الصاحبة تارتين.

والجسم الصحافي، في بعض الصحف، كالبنيان المرشوش، بعضه يزحلق بعضاً، أو "يزحلطه"، على رأي الممثل السعودي الرائع حسن عسيري الذي يشير إلى رقبته وهو يقسم: "كَسَم بالله زحلطن".

والزحلطة في الكويت لا مثيل لها، ففي الدوائر الحكومية جميعها، وفي سبيل المناصب، الكل يزحلط الكل، ويشي به، وينقل عنه ما يسيء. حتى الوزراء، الوزير يزحلط جاره، والدنيا زحلطة في زحلطة، فإما أن تزحلط الآخر أو يزحلطك، وتوزير الدكتور محمد العفاسي تم لدواعي الزحلطة، رغم كفاءته، إلا أنهم أرادوا إحراج النائب مسلم البراك فسلّموا وزارة الشؤون إلى نسيبه العفاسي، والبراك خال أبناء العفاسي، والعفاسي تسلم ملف الرياضة بحكم منصبه، وهو الملف الذي أبكى وزراء قبله، وسيستجوبه قريباً عادل الصرعاوي وعلي الراشد، ليحرجا مسلم البراك كما أحرجهما في استجواب وزير الداخلية، وسيكون موقف البراك يومذاك صعباً، فإن هو وقف مع العفاسي قالوا "بدافع القبلية"، وإن هو وقف ضد العفاسي تأثرت قاعدته الانتخابية، أو هكذا يظنون، بل ويتمادون في ظنهم فيعتقدون أنهم سيحرجون بقية النواب الذين يسعون إلى الحفاظ على أصوات قبيلة مطير.

المشكلة ليست في الأعضاء فقط، لا، الجزء الأكبر والرئيسي من المشكلة تسببت فيه الحكومة التي تبني تشكيلها على أسس زحلطية خالصة! وإذا كانت الحكومة هي التي تشجع الزحلطة والعنصرة الفئوية والطائفية، وهي التي يخالف وزراؤها القوانين ولا يتم عقابهم - معتمدة في ذلك على أعضاء، منهم من يخشى خوار البقرة، وينقض وضوءه عند مواء القطة، ويعتب عليك إذا ما انتقدته - فليس أمام الشعب إلا قراءة المانشيتات والكاتب المفضل والتفرغ بعد ذلك للحديث عن السياسة تارة والحديث مع الصاحبة تارتين.

"شوف كنا في ايه، وصبحنا في ايه"، على رأي الأغنية... كنا نتحدث عن الصحافة فقادتنا إلى الحكومة والاستجوابات! يبدو لي أنه في الكويت... كلّو يودّي إلى كلّو.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء