تحولات مربحة لطهران ومخيبة لواشنطن
سماحة السيد حسن نصر الله كان رجل دولة بامتياز، وأهم زعيم عربي كيّس وفطن، عندما تحدث قبل أيام عن حاجة العرب والمسلمين إلى إطفائي فدائي حقيقي، مهمته الأساسية إطفاء الحرائق الداخلية في أقطار منطقتنا العربية والإسلامية، وهذا الكلام لاشك سيحرق قلب أميركا باعتبارها المسبب الرئيسي لأغلبية تلك الحرائق.وكان وليد جنبلاط واضحاً وضوح الشمس بكلامه الذي لا لبس ولا تفسير ولا تأويل له، وربما لأول مرة، عندما قال لـ«المنار» ما مفاده، إنه لا شرعية لأحد من العرب والمسلمين في اللحظة التاريخية الراهنة دون التصويب باتجاه فلسطين، وهذا الكلام خسارة صارخة لأميركا في الزمن الصعب الذي تمر به.
وليس من قبيل المصادفة أبدا أن يأتي كلام الزعيمين اللبنانيين في نفس الوقت الذي كان يحدد فيه الرئيس السوري بشار الأسد، وبكل وضوح وصراحة، اتجاه السياسة العامة لبلاده على أنها تتمحور حول شرق أوسط جديد، محوره المقاومة وهو أمر لاشك سيزيد من طعم المرارة التي تتذوقها واشنطن في أكثر من مجال. ولا من قبيل المصادفة أيضا أن يأتي كل هذا الكلام في ظل تنامي منسوب التفاؤل بقيام لبنان جديد سيكون فيه للمقاومة ثقل أساسي في صناعة القرار الحكومي، وربما كان هذا هو السبب الأساس من وراء زيادة الاهتمام بدور سورية الإقليمي واستعجال الرئيس ميشال سليمان لعقد قمة رئاسية مع الرئيس بشار الأسد قبل توجه الأخير لزيارة باريس تحضيراً لأجواء وفضاءات ما بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية اللبنانية، وكذلك تحضيراً للزيارة التاريخية المرتقبة لرئيس وزراء لبنان الشاب الصاعد نجمه سعد الدين الحريري، وهذا بدوره سيكون بلا شك خسارة إضافية تلحق بسياسات واشنطن «الفتنوية» الشرق أوسطية. ثمة محور سوري لبناني إذن في طريقه للتبلور قد يختلف بعض الشيء عن المحور السوري الإيراني الذي طالما تم الحديث عنه بالسلب والانتقاص، لكنه لاشك ولاريب سيقوم على نفس قاعدة المقاومة التي جمعت دمشق وطهران استراتيجيا في المحور المشار إليه. وإذا ما وضعنا التحالف السوري التركي الاستراتيجي المعلن حديثا بين أنقرة ودمشق إلى جانب ما تقدم وما أضافه كل من سيد المقاومة والزعيم الدرزي حول أهمية الدور الذي تلعبه تركيا من خلال استدارتها الأخيرة شرقا ونحو فلسطين بالذات، ودعمهما الصريح والواضح لهذه الصحوة والنهضة التركية الحديثة، فإننا نكون قد شخصنا الاتجاه العام لمسار الأحداث المقلبة في منطقتنا العربية والإسلامية دون صعوبة أو تردد. يستطيع الأميركيون ومن يسمون بعرب الاعتدال بعد اليوم أن يتحدثوا ما يشاؤون وبقدر ما يملكون من حجم هائل من إمكانات عن السلام أو التسوية الشرق أوسطية، لكنهم لن يتمكنوا بعد كل الذي حصل وكل الذي تبلور، وبعد كل الذي أشرنا إليه آنفا، ليس فقط من التقدم خطوة واحدة باتجاه تحقيق أي من رغباتهم، بل إن قيادة قطار الحركة في المنطقة يكاد يخرج من أيديهم بشكل شبه نهائي وإلى الأبد. صحيح أنهم لا يزالون ممسكين ببعض مراكز القوة المهمة في المنطقة، وأنهم لم يخسروا كل مواقعهم التقليدية فيها، ناهيك عن احتفاظهم بقواعد عسكرية ثابتة ومتحركة كثيرة، لكن الصحيح أيضا القول بأن من كانوا يتصورونه بأنه المشاغب الأوحد والمشاكس العنيد لسياساتهم والمناكف الأكبر لاستراتيجياتهم أي جمهورية إيران الإسلامية، بات اليوم أكبر وأهم وأقوى وأصلب من أن تهز مواقعه حتى التهديد بخيارات الحروب الشرسة، ناهيك عن إمكانية فرض التراجع عليه من خلال التهديد والوعيد بالحرب النفسية والحروب الاستخبارية المفتوحة. ليس صحيحا أنهم ينوون الخروج من العراق مجانا وبيسر وسهولة ودون أثمان باهظة، تماما كما أنه ليس صحيحا أنهم ينوون الهروب السريع من المستنقع الأفغاني، ولا هو صحيح أنهم سيتخلون عن حلفائهم وأصدقائهم من عرب الاعتدال وغيرهم ممن يعدون بالخلايا التائهة التي لطالما انتظرت دعم ومساندة الأجنبي والاستقواء به على إخوة الداخل الوطني، لكنه ليس صحيحا أيضا الترويج بأن الأميركيين لايزالون أقوياء وقادرين أن يفرضوا أجنداتهم فضلا عن مخططاتهم على دول المنطقة بمستوى وهيئة «القدر الذي لابد منه». إن من يرقب حركة المنحنى الأميركي العام في العالم والمنطقة سرعان ما سيكتشف أنه منحنى آيل للأفول، وأن المنحنى الصاعد بالمقابل هو خط المقاومة والممانعة الذي يكسب أعضاء وأصدقاء جددا، وقد لا تكون دولة قطر آخر هذه الحلقات. وأخيرا وليس آخرا وربما ليس من باب المصادفة أيضا أن نسمع ولو من باب الشعور بالألم والصراخ من الألم بأن الحلقة الأضعف في معسكر الاعتدال أي الطرف الفلسطيني المغلوب على أمره بدأ يتململ من السنوات العجاف الثماني عشرة، في الوقت الذي يرى فيه بأم عينه كيف أن من اختار الطريق الآخر أي في لبنان قد حصد بالمقابل إنجازات يعتد بها. إيران إذن لم تعد وحيدة ومطوقة كما كانت تحلم إمبراطورية «الشيطان الأكبر» ولا هي طائر شارد يغرد خارج السرب، إنما من بات الوحيد والمطارد والمعزول في هذه المنطقة هو الإسرائيلي التائه في صحرائه رغم كل ترسانته من أسلحة الدمار الشامل التي تكاد تتحول إلى حديد خردة غير قابل حتى للبيع والشراء، فضلا عن ردع أي من خصومه التقليديين ناهيك عن أن إيران التي باتت محصنة بأطواق جديدة من الحلفاء وصلت بعض دوائرها أخيرا حتى أميركا اللاتينية، والتي بدأت بدورها تقلق آخر ملوك دويلة الكيان المترنح تحت ضربات الدبلوماسية الإيرانية المتحركة من الصين حتى البرازيل، بعد ضربات تموز اللبناني وكانون الفلسطيني. * الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة