غرق الفرقاء السياسيون اللبنانيون، منذ إعلان رئيس الجمهورية ميشال سليمان اللائحة الجديدة للمدعوين إلى الجولة الجديدة من الحوار الوطني في شأن الاستراتيجية الدفاعية الواجب على الدولة اللبنانية اعتمادها في مواجهة التهديدات الإسرائيلية، في النقاشات المتعلقة بهوية المشاركين والمعايير التي اعتُمدت لدعوة البعض واستبعاد البعض الآخر، من ممثِّلي الأحزاب والشخصيات السياسية والطوائف والمذاهب والمناطق اللبنانية.

Ad

وإذا كانت الاعتراضات في هذا المجال قد شملت جهات من معسكَرَي الاصطفافات في لبنان، فإن اللافت بالنسبة إلى بعض الذين التقوا رئيس الجمهورية ميشال سليمان خلال اليومين الماضيين، محوران:

- الأول يتعلق بالشكل، إذ إن سليمان بدا غير مستعد لأي تعديل على قائمة المدعوين، مشدداً على أنه مرتاح ومطمئن إلى المعايير التي ارتكز إليها لاختيار المتحاورين، كما بدا رافضاً فكرة دعوة جامعة الدول العربية إلى المشاركة في طاولة الحوار وفقاً لما نص عليه اتفاق الدوحة، مرتكزاً في رفضه على أن الأمين العام للجامعة عمرو موسى الذي شارك في الجلسة الافتتاحية للحوار الذي انعقد بعد الدوحة، أبلغه أن لا دور له في النقاشات اللبنانية الداخلية، وفي كلتا الحالتين أبلغ رئيس الجمهورية مُراجعيه أنه هو من سيتحمل شخصياً مسؤولية فشل الصيغة التي اعتمدها، بينما سيستفيد الجميع من نجاحها.  

- الثاني يتعلق بالمضمون، وهو الأهم في رأي المراقبين، لأنه يتضمن "جديداً مهماً ومحورياً" على علاقة بماهية الحوار وطبيعة الاستراتيجية الدفاعية.

وينقل زوّار بعبدا عن رئيس الجمهورية تأكيده أن الجولة الجديدة ستنطلق من ثابتةٍ سبق أن ركَّز عليها في جلسات الحوار الماضية، وهي تقوم على ألَّا دور للمقاومة في الاستراتيجية الدفاعية التي يُفترض أن تُقَر، إلَّا بعد حصول الاحتلال، وإعلان الجيش اللبناني والقوى الأمنية والعسكرية الشرعية أنها لم تعُد قادرة على القيام بمهماتها.

كما ينقل الزوار عن سليمان تأكيده وجوب الأخذ في الاعتبار الدستور اللبناني، الذي ينص في مادته التاسعة والأربعين على أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تأتمر بإمرة مجلس الوزراء، وقانون الدفاع الوطني الذي ينص على أنه إذا تعرَّضَ لبنان أو أيُّ منطقة لبنانية للخطر، فإن كل القوى المسلحة التي تعمل وفقاً لأنظمتها الخاصة تصبح بإمرة قيادة الجيش.

وهو قال للمُستفسرين في هذا المجال ما حرفيته: "إما أن ترتكز الاستراتيجية التي سيتم التوصل إليها على هاتين القاعدتين (رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تأتمر بإمرة مجلس الوزراء، وإمرة قيادة الجيش على كل القوى العسكرية)، وإما فإنها لن تُقَر".

ويرى المراقبون في ضوء "الكلام غير المُعتاد سماعه من رئيس جمهورية لبنان منذ فترة"، أنه إذا اقترن تشبُّث رئيس الجمهورية بموقفه الشكلي من المدعوين، بتشبُّث مماثل في المضمون لناحية المرجعية الحصرية للدولة اللبنانية ومؤسساتها الأمنية والعسكرية والدستورية في أي استراتيجية دفاعية، فإنه من الممكن النفاذ، ولو بصعوبة، إلى معادلات جديدة على أرض الواقع اللبناني تصبُّ للمرة الأولى منذ سنوات، في خانة مصلحة مفهوم الدولة، خلافاً للواقع الحالي المحكوم بالأمر الواقع، المتمثل حصراً في وجهة نظر "حزب الله" من المواجهة مع إسرائيل.