تكشف لنا القصة الأخيرة التي حظيت باهتمام الإعلام واهتمام كثير من الجهات والنواب والصحافيين بالتبعية، أقصد قصة التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية عن موضوع الاتجار بالبشر والصادر منذ أيام، صفحة جديدة من صفحات «اللخبطة» والتخبط التي نعيشها على مستويات عدة.

Ad

حرصت على متابعة الأمر لأيام عدة قبل أن أرسم عنه صورة، فوجدت أن أغلب جماعتنا، من جهات رسمية وغيرها وسياسيين ونواب وناشطين وصحافيين، ممن تحدثوا عن التقرير لم يطلعوا عليه بل لا يعرفون عن أي شيء يتحدث بالضبط، بالرغم من توافره للعامة عبر موقع وزارة الخارجية الأميركية على الإنترنت.

لهذا السبب اعتقد أغلب هؤلاء، وبناء على ما سمعوه أو قرؤوه هنا وهناك، بأن التقرير جاء ليتحدث عن الكويت بعينها أو ليهاجمها هي بالذات أو هكذا ظنوا، في حين أن التقرير تحدث في حقيقة الأمر عن 173 دولة حول العالم من زاوية علاقتها بموضوع الاتجار بالبشر، وذلك بحسب معايير محددة جعلت هذه الدول على سلم رباعي الدرجات، جاءت الكويت في الدرجة الأخيرة منه برفقة غير سعيدة مع 16 دولة أخرى منها مثلا زيمبابوي والنيجر وكوبا والسودان والسعودية وإيران!

أغلب مَن تحدثوا عن هذا التقرير، شرعوا وقبل كل شيء، وقبل حتى النظر فيه أو حتى معرفة شكله ومقاصده ومضامينه، بمهاجمة أميركا وتعداد خزاياها في مجال حقوق الإنسان واستعادة قصة معتقل غوانتانامو وما اقترفته القوات الأميركية في أفغانستان والعراق على سبيل المثال!

نعم، صحيح أن سجل أميركا ليس ناصعاً في هذه الأمور بل في غيرها، ولكن ما علاقة هذا بسجلنا نحن وواقعنا تجاه الموضوع؟!

محاولة التشكيك بمصداقية التقرير عبر التذكير بسوء سجل واضع التقرير لن يغير من الحقيقة التي نراها نحن الكويتيين بأم أعيننا على الأرض عندنا شيئاً، ولا يجوز لنا من باب احترام النفس أولاً وقبل أي طرف آخر أن نكابر فننكرها لأننا حينها لن نضحك إلا على أنفسنا!

إن ظاهرة الاتجار بالبشر، وبحسب التقرير نفسه في صفحة 15، هي ظاهرة ملتبسة معقدة شائكة تجعل الاستقرار على تعريف محدد لها شيئاً صعباً وأشبه بالخوض في حقل للألغام. لذلك فإن تعريف هذه الظاهرة اليوم يتجاوز بكثير البيع والشراء المباشر للبشر، أي الاستعباد المباشر كما كان في العصور الغابرة، وأدخل الظاهرة في دوائر عديدة منها دائرة امتهان حقوق العمالة وظروف العمل المزرية وما يشبهها، وهي الدائرة التي لا أظنها ناصعة البياض عندنا في الكويت، سواء على مستوى حقوق العمالة الجماعية كعمال الأمن والتنظيف وغيرهم في المؤسسات الحكومية أو في القطاع الخاص، أو حقوق العمالة الفردية كخدم المنازل ومن يشابههم!

لقد كان الأجدر بنا، وقبل أن نهرع لضرب بيت أميركا الذي تخيلناه من زجاج في هذا الجانب، أن ننكفئ على حقيقة وضعنا المزري وأن نسارع لإصلاحه بشكل حقيقي فاعل، ليس خوفاً من تقارير هذه الجهة أو تلك إنما اتساقاً مع المبادئ والأخلاق والقيم الإنسانية التي يفترض أن تكون فينا كدولة عربية مسلمة يقطنها شعب متحضر!