كل عام وأنتم بخير...

Ad

هكذا هم الناس. بعضهم يعيش في الدنيا واضعاً يديه على رأسه، ملصقاً ركبتيه بصدره، تنطلق خلفه أنغام الناي الحزين، والمنظر أمامه أشلاء وركام ودخان ونحيب ثكالى وأرامل. وبعضهم يعيش منطلقا ضاحكاً مشرعاً ذراعيه على أقصاهما رافعاً رأسه إلى الأعلى، والمنظر أمامه بساتين ونوافير وقطرات مطر وقهقهات أطفال، قميصه المفتوح وصدره العاري يشيان بحبه الجارف للحياة.

وهكذا هي القلوب، بعضها يملؤه الحقد والتجهم والكبر حتى يصعب إغلاق غطائه، وبعضها يملؤه الحب والمرح والضحك والتواضع حتى يفيض على الأطراف فيتسرب ويبلل الكبد والأمعاء والرئتين.

وصلاح الهملان (ابن النائب السابق المرحوم مسعود الهملان، ذاك الرجل الناصع)، حالة خاصة، لو سمع بها علماء النفس لارتحلوا إليها وأناخوا ركابهم عندها. رجلٌ يحبه الجميع ويحبهم بشكل يفوق الوصف. ليس في قلبه ذرة كره ولا حقد ولا خصام. كيف؟ لا تسلني، سل علماء النفس الذين سيعودون إلى نظريات أساتذتهم التي تقول: «في كل إنسان جزء من الخير وآخر من الشر، يطغى أحدهما على الآخر أو يتساويان»، فيعيدون النظر في النظريات هذه ويضيفون إليها: «إلا صلاح الهملان، ذلك الكويتي الغريب، كلّه خير، وتواضع، وإيثار، وسخاء، وحب الآخر...».

قلت له ذات دهشة وأنا أهز كتفيه وأخفي ضحكتي: «يا أخي اغضب ولو مرة، سألتك بالله اعبس، أريد أن أرى ملامحك الأخرى، أريد أن أتأكد أن حاجبيك طبيعيان، يمكنهما التقطيب والتحرك إلى الداخل»، فكان رده سريعاً: «حاضر، هاهاها هاهاها».

كل ما في الإنسان هذا غريب، يشد شعر الذهن ويرفع حاجبي التفكير. لأول مرة في حياتي أرى إنساناً يسكب القهوة لخادمه الجالس بجانبه! تبيّن لي لاحقاً أن المنظر هذا يتكرر كثيراً، فابتسمت، لم يكنْ أمامي خيار آخر، ضاقت في وجهي السبل.

الكويت في عيني «بو حضيري»، صلاح، ذلك المواطن البسيط، جداول مياه رقراقة، وحقول خضراء براقة، وصبية تحمل على صدرها من الأزهار أجمل باقة! نعيق البوم في أذنه دوحُ بلبل، ويا سلام على الغراب ما أجمل سواده الملكي، ورائحة مصافي النفط هي رائحة محصول البستان وحصاده، رائحة الخير. كل عام ومَن يحبه صلاح بخير، أي كل البشر، وكل الطيور، والأسماك، والحيوانات، والكراسي، والطاولات، وقطرات المطر، وحبات الرمل، والديمقراطية، والآلات الموسيقية، ومشايخ الدين، والعلمانيين، والساسة، وفناجين القهوة، والغلاف الجوي، والتصفيات الآسيوية، وكوكب زحل... بخير.