باتمان وديار بكر

Ad

طائرات الـ"إف-16" التركية تزعق في الأجواء كافة؛ وناقلات الجنود المدرّعة تتنقل تحت مرمى نظر القناصين المتيقظ؛ وشبح الحرب يلوح فوق جنوب شرق تركيا الكردي بشكل أساسي.  

قُتل نحو 16 جندياً تركياً في هجمات أخيرة، مع تصعيد المقاتلين من حزب العمّال الكردستاني حربهم المتواصلة منذ 25 عاماً. وفي 22 يونيو، قضى أربعة جنود وابنة أحد الضباط حين فجّر ذراع حزب العمّال الكردستاني في المدن، "صقور الحرية الكردية"، قنبلة في حافلة في إسطنبول على متنها جنود، وفي هذا الإطار، يقول هنري باركي من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: "للمرة الأولى، ثمّة خطر حقيقي من أن ينقل حزب العمّال الكردستاني الحرب إلى خارج المنطقة الجنوبية الشرقية".  

بالتزامن، يتعرّض رئيس الوزراء التركي، رجب طيّب أردوغان، لضغوط متزايدة للرد، فقد دعا زعيم حركة المعارضة القومية، دولت باهتشلي، إلى إعادة تطبيق الأحكام العرفية في جنوب شرق البلاد. من جهته، يتحدّث سيزجين تانريكولو، محام كردي مدافع عن حقوق الإنسان، عن "المخرج الأخير" قبل أن يذهب كل من الأتراك والأكراد في طريقه.  

كان تانريكولو من بين آلاف الأكراد الذين تحدّثوا بأمل عن السلام، بتشجيع ممّا يُسمّى بـ"الانفتاح الكردي" الذي تحدّث عنه أردوغان، وتجّلى هذا الانفتاح في إطلاق أول قناة تلفزيونية رسمية ناطقة بالكردية، وبلغ أوجه في أكتوبر الماضي مع عودة مجموعة من مقاتلي حزب العمّال الكردستاني ومؤيّديه من شمال العراق.   

لكن عند عودتهم، أعلن المقاتلون، بلباسهم العسكري الكامل، "النصر" في احتشادات نظّمها حزب السلام والديمقراطية المؤيّد للأكراد، الأمر الذي أشعر الأتراك بالإهانة. فضلاً عن ذلك، تراجع التأييد للانفتاح أكثر فأكثر حين قتل حزب العمّال الكردستاني سبعة جنود في ديسمبر.

من جهته، يلقي حزب العدالة والتنمية المعتدل إسلامياً بزعامة أردوغان بالمسؤولية على حزب العمّال الكردستاني وعلى ما يعتبرها استفزازاته المحفّزة لانهيار سياسة الانفتاح. لكن حزب العمّال الكردستاني وحزب السلام والديمقراطية يخالفانه الرأي. فقد أعلن المتمرّدون وقفاً لإطلاق النار في أبريل 2009، إلا أن الجيش واصل عملياته. يعقّب نجاد ياروك، رئيس حزب السلام والديمقراطية في مدينة ديار بكر: "لا يكاد يوم يمر لم أحضر فيه جنازة مقاتل من حزب العمّال الكردستاني". كذلك، يرى في حملة الاعتقالات التي طالت العام الماضي نحو 1500 ناشط وسياسي كردي، بمن فيهم رؤساء بلدية منتخبون تابعون لحزب السلام والديمقراطية، دليلاً على أن "الانفتاح" كذبة.   

من ناحيتهم، يقول الأكراد إن مطالبهم بسيطة، وبعيدة كل البعد عن الاستقلال. تتضمن بالتالي مفاوضات حكومية مع زعيم حزب العمّال الكردستاني المسجون، عبدالله أوجلان؛ تعديل البند الدستوري الذي يدعو جميع مواطني تركيا بـ"الأتراك"؛ لتخفيف المركزية المعتمدة في الحكومة التركية؛ والسماح بالتعليم باللغة الكردية في المدارس التابعة للدولة.

فهل يمكن تحقيق مثل هذه المطالب؟ بحسب أحمد تورهان، حاكم محافظة باتمان المعيّن من حزب العدالة والتنمية، يمكن تلبية بعضها. يقول: "قد يُنظَر في مسألة التعليم باللغة الكردية خلال المراحل الأخيرة من سياسة الانفتاح". ينتمي تورهان إلى مجموعة جديدة من المعيّنين الليبراليين من قبل حزب العدالة والتنمية الذين حازوا بعض الثقة بين الأكراد. ويُرحَّب بالسكاّن المحليين الذين يتّصلون على خطه الساخن للحالات الطارئة باللغة الكردية، وفضلاً عن ذلك، بُنيت عشرات المدارس، والمستشفيات، والطرقات تحت إشرافه. بنتيجة الأمر، ساعدت مثل هذه الجهود حزب العدالة والتنمية على أخذ الحزب الكردي الأساسي في المنطقة الكردية على حين غرّة في الانتخابات العامة لعام 2007.

من جانب آخر، يريد حزب العمّال الكردستاني استفزاز الحكومة للعودة إلى أساليبها القمعية القديمة بحقه، وذلك بهدف تقويض شعبيتها بين الأكراد، لكن أردوغان تعهّد هذا الأسبوع بمواصلة إصلاحاته الليبرالية، وفي المقابل، أزال رئيس هيئة الأركان العامة من اعتباراته إعلان أي حالة طوارئ. هذا وبدأ البرلمان التركي بمناقشة تعديلات للقوانين التي أسفرت عن اعتقال أربعة آلاف شاب كردي بتهمة ارتكاب "جرائم" مثل ترداد شعارات قومية ورمي الشرطة بالحجارة.  

لكن مع ارتفاع حصيلة الضحايا واقتراب موعد انتخابات العام المقبل، من المستبعد أن يخاطر أردوغان بإثارة الغضب القومي عبر القيام بالمزيد من التنازلات، وحتّى لو فعل، سيصعّب حزب العمّال الكردستاني المهمّة عليه لأنه يريد أن يكون شريكاً في الحل. وإلى أن يحين ذلك، لن تتوقّف أعمال العنف على الأرجح.