لطالما ارتأى سمو الأمير حفظه الله، من خلال أحاديثه مع أعضاء البرلمان وأهل الصحافة والإعلام، مبدأ المعالجة المنهجية لمسيرة العمل الوطني، ولطالما تحدث عن شعوره من خلال متابعته الشخصية لهذه المسيرة، وأشار مرارا وتكرارا إلى المنغصات التي باتت تشكل أساساً ومصدراً لما تشهده البلاد من اختلال وأزمات، والتي عرقلت في السابق ومازالت تعرقل مشاريع عديدة، أقول ذلك بعد متابعتي عبر الصحف، لقاء سموه برؤساء التحرير قبل عدة أيام، ذلك اللقاء الذي حمل الكثير من العتب على المسار السياسي «السلبي»، والذي أصبح عنوان المرحلة الحالية.

Ad

وإذا عدنا إلى خطاب سموه الذي افتتح به الفصل التشريعي الحالي، لوجدنا أنه محمل بملفات عديدة أولها ملف الوحدة الوطنية وحمايتها من مظاهر الفرقة والتشتت والفتن، وتلاها ملف العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتطوير العلاقة بينهما فيما يعالج العثرات والاختناقات التي تعرقل مسيرة العمل الوطني، وآخرها ملف تصحيح المسار الإعلامي بمختلف مؤسساته وأدواته.

واليوم نجد أنفسنا في المربع الأول، ومازلنا محترفين «كسر الهدنة السياسية» بين البرلمان والحكومة، وذلك عن طريق افتعال الأزمات والتسابق بعشوائية الأسئلة البرلمانية، فالنائب يجد نفسه أمام اختيارين: إما ممارسة إيجابية تسعى إلى رفع سقف العمل السياسي، وتبني الدفاع عن المطالب الشعبية وتعزيز المشهد الوطني، وإما ممارسة سلبية وخلق العقبات والوقوف ضد مسار التغيير السياسي والاقتصادي.

واليوم أصبحت الاستفادة من تاريخ المسيرة الديمقراطية الكويتية أمرا ضروريا، وتطوير العمل النيابي، والتنسيق في طرح المشاريع البرلمانية لتقديم الأفضل قبل أن يعاود مجلس الأمة مزاولة نشاطه لاستقبال مرحلة جديدة من الممارسة الديمقراطية بعد توديع مرحلة الأسئلة البرلمانية الماراثونية، التي تزداد عددا ولا تلقى اهتماما.

أما «الإعلام» الذي شكل محور اللقاء، والمرتبط بحرية التعبير وإبداء الرأي، إلى جانب الفن ورقي الذوق، فأصبح اليوم في بحر يصعب أن تنضبط فيه بوصلة «المراكب الإعلامية»، خصوصا بعدما برزت خصخصة الإعلام وانتشرت القنوات الخاصة أخيرا والصحافة الإلكترونية التفاعلية، ذلك هو عصر «التعددية الإعلامية» وعلينا أن ندخل ذلك العصر بإدارة جيده للمنظومة الإعلامية، سواء الإعلام الرسمي أو الخاص، وعلينا تحفيز المراكز الإحصائية للتواصل مع المشاهد والقارئ لتقييم العمل الإعلامي وبالتالي فتح باب النقاش لتقييم الضوابط والقيود التي يحويها قانون المطبوعات.

والأمر الذي يستحق الاهتمام هو افتقارنا إلى «الدبلوماسية العامة» التي أصبحت سمة مهمة من سمات الإعلام، وأحد محاور تلك الدبلوماسية هو تحفيز الناشطين للمشاركة بالبرامج الحوارية التي تبثها القنوات الإعلامية بأنواعها، بالإضافة إلى حضور المؤتمرات العالمية، واليوم نجدهم بمعزل عن البرامج الحيوية، إلى جانب اعتذار الوزارات عن إرسال «أهل الثقافة» إلى المؤتمرات العالمية التي تستهدف تعزيز الحوار الثقافي، والحوار مع منظمات المجتمع المدني، ودراسة سُبل تطوير الحوار مع العالمين العربي والإسلامي بحجة «الخوف» على المال العام!

وأخيرا، أمامنا فرصة لنضع حدا لحالة الإرهاق السياسي، ونرسم مسارا تصحيحيا لكي لا تتراجع الجهود، ونعود إلى مرحلة الاختناق في الحوار وضياع بوصلة الإعلام، امامنا فرصة لإجبار الإعلام الرسمي على منافسة القطاع الخاص من حيث حسن الإدارة وجودة البرامج «بعضها»!

كلمة أخيرة: خالص العزاء لأهل الكويت كافة، فقدان النساء والأطفال الأبرياء في حادثة حريق العيون، و«إنا لله وإنا إليه راجعون».

وكلمة أخرى: هذا العام ليس كباقي الأعوام، وهذا الشهر ليس كباقي الأشهر، فلا دواوين تستقبل هذا العام، ولا مصافحة ولا تقبيل ولا أعباء اجتماعية مبالغا فيها، فليكن شهرا خالصا للعبادات وذكر الله، ومبارك عليكم الشهر.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء