جاء في القواميس أن الحَصافة هي ثَخانةُ العقل والحكمة، ويقال حَصُفَ، بضم الصاد، حَصافةً إذا كان جيد الرأي محكم العقل، وهو حَصِفٌ وحَصِيفٌ، أي محكم العقل؛ وقد قال الشاعر:

Ad

حديثُك في الشتاءِ حديثُ صَيفٍ

وشتوي الحديث إذا تَصيفُ

فتخلط فيه مِن هذا بهذا

فما أدري أَأَحمقُ أَم حَصيف؟!

ونقيض الحصافة، كما بان من بيت الشعر هو الحماقة، وهي مأخوذة من حمقت السوق إذا كسدت، فكأنه كاسد العقل والرأي فلا يشاور ولا يلتفت إليه، وبها سمي الرجل «أحمق» لأنه لا يميز كلامه من رعونته‏، وقد قال الشاعر:

لكـــــل داء دواء يـسـتـطــب بـــه

إلا الحماقة أعيت من يداويها!

السيد محمد باقر المهري، هو من الشخصيات الشيعية الشهيرة في الكويت، ومن الظاهرين جدا في الإعلام، فلا يكاد يقفز عقرب الساعة إلا ومعه تصريح له هنا أو هناك في شتى الشؤون والفنون، وهو وكيل المراجع الدينية الشيعية، أو معظمها، كما جاء في موقعه الرسمي على الإنترنت، ومع ذلك فبعض أصدقائي الشيعة دأبوا دوما على التقليل من قيمة وأثر تصريحاته بوصفها بالخالية من الحصافة، وأن صاحبها بلا تأثير حقيقي في البيت الشيعي، وكنت أرفض كلامهم دوما، فلا يعقل أن يكون هذا الرجل، بما له من علاقات بالقيادة السياسية في الكويت (وإيران بحسب ما يذكر موقعه)، وما يحظى به من تركيز إعلامي مستمر، ومن يتحلقون حوله ويرتبطون به من ساسة وأتباع، رجلا بعيدا عن الحصافة، موغلا في الحماقة، بل إن الأقرب إلى الحماقة في اعتقادي هو من ينطلي عليه ذلك فعلا!

واضح يا سادتي أن المهري يعرف ما يريد ويدرك ما يقول ولا يخلط فيه من هذا بهذا كما قال الشاعر، ولا يمكن رؤية تصريحاته السائرة دوما في اتجاه واحد، إلا على أنها تعبير صريح عن قناعات صاحبها، ومع ذلك، فلا مشكلة عندي مع هذه القناعات، فهذا شأن الرجل، ولا يهمني كذلك ما يقوله ويبثه بين مريديه لا في الصيف ولا في الشتاء، لكن أجدني مضطرا للتوقف عند ما يصدر عنه علنا، لأن رذاذه، بل سهامه أحيانا، صارت تطولنا بشكل متكرر، ومنها تصريحه الأخير، الذي أساء فيه لابن تيمية، إمام أهل السنة والجماعة، والذي لا يمكن فهمه إلا في هيئة الاستفزاز الطائفي المقصود، فمن غير المعقول أن يجهل السيد أن تصريحه هذا سيستفز قطاعا عريضا من المجتمع الكويتي السني في غالبه الأعم.

ولا اعتراض عندي كذلك على أن يختلف المهري مع ما جاء في تراث الإمام ابن تيمية، فهو حر فيما يعتنق كما ذكرت، ولكن مرادي هو أسلوبه الاستعدائي في التعبير عن ذلك علنا، وفي إطلاقه لهذه التصريحات المستفزة والمقلقة لهذا الوطن وأهله!

أتصور أن إزعاجات المهري المتكررة ما عادت تتوقف عندنا نحن السنة فحسب، بل تجاوزتنا حتى إلى أهلنا الشيعة الكارهين للفتن الطائفية، ولذلك سأعتب على عقلائهم من خلو الساحة من تصد ذي قيمة يصدر عنهم تجاه طروحاته المزعجة، ولعلي هنا أوجه عتبي بالأخص إلى الأصدقاء في حركة التوافق الوطني الإسلامية، والأستاذ زهير المحميد بالذات، ذلك الرجل الفذ، لما أعرفه عنهم وعنه من رجاحة العقل وإدراك لخطورة الفتن الطائفية، هذا العتب الذي يأتي لمعرفتي بقربهم من المهري وإقامتهم جل أنشطتهم تحت رعايته وفي ديوانه، وهو الأمر الذي كان ولايزال يدفعني للاعتذار عن المشاركة في هذه الأنشطة رغم قيمتها.

دعوة أوجهها من باب العلاقة الطيبة، يا ليت إخواننا من عقلاء البيت الشيعي يتحركون لإقناع صاحبهم بالكف عن هذه التصرفات المزعجة التي لا أشك برفضهم إياها، فيكفوا أذاه عن الوطن والناس، ويعطونا الفسحة للتفرغ لما هو أهم من سماحة السيد المهري «ولا سماحة» تصريحاته!