نحو تغيير اقتصاد الوهب والنهب
ابن الغراب لن يكون بلبلاً صداحاً ولن يكون غير غراب آخر، وقطاعنا الخاص هو ابن بالتبني لحكومة الموظفين الكبرى، يحيا من نفقتها ويرضع من ثديها رغم أنه تجاوز سن الفطام. هو ابن بالتبني ولو كان أكبر سناً من الحكومة، فهو ولد قبل الحكومة وقبل الحكومات، فعبر الرسوم التي تتقاضها السلطة منه عاشت الدولة قبل النفط، ومن عمله الخيري، أي من عمل هؤلاء التجار، بدأ التعليم وبدأت النهضة قبل أن يرش النفط ذلك الابن الكادح، وتسيطر السلطة على مورد الدولة الوحيد، وهو النفط، وتصير هي الواهب والأم التي أفسدت ليس القطاع الخاص فقط بل روح العمل عند الإنسان الكويتي.ليس هذا المهم، بل ما يهمني هو الأمثلة التي يوردها عدد من الزملاء عن فشل القطاع الخاص في الإدارة، وجشعه المالي الكبير حين استغنى عن خدمات الموظفين الكويتيين، فالزميل د. بدر الديحاني ضرب لنا عدة أمثلة صادقة، على سبيل المثال لا الحصر، منها تخصيص محطات الوقود و"قرين للأسواق"، في المقابل أتمنى على الزميل أن يطالع كيف تدار الأمور في 90 في المئة من حجم القطاع العام، سأضرب لكم مثالاً واحداً، فإثر النزاع القضائي بين إدارة الموانئ والشركة الوطنية العقارية تم تسليم إدارة المنطقة الحرة للهيئة العامة للصناعة، فماذا حدث؟! جاء الآتي في تقرير جمعية الشفافية لشهر مارس "... بالنسبة إلى المنطقة الحرة نشرت عدة تقارير وتحقيقات سلطت الضوء على حزمة المعوقات والمشاكل التي تحول دون استغلال المستثمرين الأراضي التي حصلوا على حق الانتفاع بها... أبرزها تداخل الصلاحيات بين الشركة الوطنية العقارية، التي كانت مسؤولة في السابق عن إدارة المنطقة الحرة، والهيئة العامة للصناعة التي انتقلت الإدارة إليها، وتراجع الطلب على شراء الأراضي بنسبة تفوق الخمسين في المئة، إذ لم تعد هناك رغبة لدى تجار العقار أو المستثمرين في الاستثمار بها، خاصة بعد السمعة التي أصبحت شائعة عن الإجراءات الروتينية والمعوقات التي يواجهها ملاك القسائم في حال احتياجهم إلى أي إجراء رسمي...".
هذا مثال واحد عن كيف تدير عقلية القطاع العام الأمور في الدولة، فلم يعد هناك فرق بين الولوج إلى المنطقة الحرة والتيه والضياع في دهاليز بلدية الكويت التي "... ما يشيل فسادها البعارين". التخصيص ليس روشتة العلاج من سرطان البيروقراطية والفساد "المعشعشين" في جل أجهزة الدولة إن لم تكن كلها، وإنما هو محاولة يجب أن تستكمل بإقرار قوانين ضريبة الدخل والشفافية والرقابة المالية ومنع الاحتكار وحماية المستهلك التي هي كلها ضرورة وشروط أولية يجب إنفاذها بالتزامن مع إقرار قانون الخصخصة. المطلوب اليوم "هو إعادة هندسة جذرية لفلسفة ونظام اقتصاد الدولة ليتحول من اقتصاد توزيع الثروة إلى اقتصاد خلق الثروة..."، كما كتب بحق فهد العثمان في إعلانه المنشور بالأمس... بكلام آخر المطلوب اليوم تحويل اقتصاد الدولة من اقتصاد الوهب والنهب إلى اقتصاد العمل والكد... فهل تقدر الحكومة على هذا...؟! أتمنى وإن كنت أشك حتى اليقين.