في خضم الفوضى السياسية المتفاقمة، تستعر الحرب الإعلامية على أشدها عبر الصحافة وعلى شاشات الفضائيات ومن خلال منتديات الإنترنت وفي الدواوين، ولكن في سياق غير متكافئ، لا من حيث أدوات القوة أو موازين النفوذ والسلطة، كما لا تتساوى فيها أساليب الملاحقة أو الانتقام.

Ad

فهناك بعض التجار ممن يملكون محطات تلفزيونية وصحفا خاصة، وهناك التيارات والأحزاب السياسية وكوادرها وقواعدها الشعبية، وهناك من أصحاب النفوذ والشخصيات الكبيرة ولهم طاقم من الكتاب والمتحذلقين الذين يكتبون لهم ليل نهار، وهناك في المقابل الحكومة بأدوات قوتها وأجهزتها الجبارة الأمنية والقانونية ناهيك عن حلفائها الإعلاميين، وقد شمرت عن ساعديها في ملاحقة من تطوله من المنتقدين، وبين هؤلاء وهؤلاء العشرات من الكتاب والمدونين والنشطاء المستقلين يكتبون ويعبرون عما يشاؤون في أجواء شبهناها في مقال سابق بحلبة مصارعة جماعية كبيرة الكل يضرب فيها الكل، وبما يملك من أدوات القوة المباحة وحتى غير المباحة.

لذلك، فإن الساحة الإعلامية وبكل أشكالها وصورها ومشاهدها المتفاوتة تعتبر أصل هذا المعترك السياسي وقرون استشعاره، وفي ظل تفاوت موازين القوة والنفوذ والإمكانات يجب توفير الحد الأدنى على الأقل من العدالة وتكافؤ الفرص للكلمة بأن تأخذ مجراها، وتؤثر بقدر مصداقية صاحبها وأدلته وتحليلاته، والحجج التي يسوقها للاستدلال على وجهة نظره.

كما ينبغي أن يكون القانون فقط هو سيد الموقف والحكم والفيصل والمحك، وأن يكون القضاء وحده مرجعية حسم الخلاف ومعاقبة المسيء في ظل هذا الصراع السياسي المترجم إعلامياً، وهذا ما يعنيه تماماً مفهوم دولة القانون وشعار سيادة المؤسسات الدستورية حتى نضمن الحد الأدنى من عدم المساس بمقومات الاستقرار السياسي والانفجار الاجتماعي.

فالكويت بلد صغير والكل يعرف الآخر، والروابط الاجتماعية متينة وقريبة جداً سواء بالرحم أو بالنسب أو الجيرة أو الزمالة أو الفزعة بكل أنواعها، ولنتصور أن الكل يريد أخذ حقه بيده من كاتب مقال أو ضيف في القنوات الفضائية أو صاحب مدونة مثلما حدث مع الزميل زايد الزيد، فماذا يكون وضع البلد في مثل هذه الحالة؟

ولنتخيل ما ستؤول إليه الأمور سياسياً إذا عممت تجربة محمد عبدالقادر الجاسم في الحبس والتحقيق والملاحقة من قبل الحكومة بسبب مقال أو مدونة، وكأننا تحولنا إلى بلد بوليسي قائم على البطش والهراوة.

فقد يكون محمد عبدالقادر الجاسم صاحب قلم سليط ونقده جارحاً جداً، ونظرته للأمور متشائمة، وقد نختلف معه في التشخيص والتحليل والرأي على الرغم من أنه لم يمسني شخصياً لا من قريب ولا من بعيد بأي سوء، بل على العكس امتدحني شخصياً بعبارات وأوصاف قد لا أستحقها، وأسأل الله أن أكون مصداقاً لها الآن ومستقبلاً.

ولكن هجومه الشرس على الشخصيات ومنها رئيس الوزراء وبعض الرموز السياسية ورجال الأعمال وعوائلهم تحتوي على اتهامات خطيرة للغاية، خصوصاً ما يتعلق بالربط مع استخبارات أجنبية، ويكفينا ما قاله الجاسم نفسه أننا نغرق بمشاكل داخلية عويصة وكثيرة ومعقدة، ولكن لا يمكن أن نحيل هذه الخلافات إلى جهات خارجية لأنها باب من أبواب جهنم.

ومع ذلك، فإن الحجز والحبس لا يليق باسم الكويت وسمعتها الدولية، فالكُتّاب هم أيضاً مواطنون ويجب أن تكون كفالتهم أسماءهم الشخصية ومحل سكنهم، ويمكن جرجرتهم إلى القضاء ومقاضاتهم والتحقيق في ما يدّعون من معلومات واتهامات.

ولا يمكن أن نأمن جانب أجهزة الحكومة، خصوصاً في قضايا الحريات، فما يتم اليوم من ملاحقة وحبس للجاسم، ورغم ما يكون فيه شفاء وتشفّ من خصومه، ولكن الدور يمكن أن يأتي على أي كاتب آخر، كما أن الممارسة نفسها يمكن أن تُعمّم على الآخرين، وتجربة أمن الدولة خير مثال على ذلك، حيث تم القبض على خليفة الخرافي لتثبت الحكومة عدالتها وتبرر لاعتقال خالد الطاحوس وضيف الله بورمية!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة