الكاريكاتير... فن التكثيف، والتفاعل السريع مع الأحداث بشفافية وعمق، وهو أيضا فن المعادلات الصعبة!

Ad

إذ كيف تجعل التعليق على حدث ما، أهم من فنجان قهوة الصباح، أهم أحيانا من رغيف الخبز الساخن؟! وكيف تستطيع وبأقصى سرعة ممكنة أن تقرأ حدثا ما، وتتجاوز سطحه الخارجي وتصل إلى عمقه، وتلامس جوهره، ومن ثم تعطي رأيا حوله؟! وكيف تكون قادرا على تكوين رؤية مستقبلية نابعة من بصيرة ثاقبة من خلال مجرد حدث عابر؟! وكيف تجعل من خطوط تبدو للوهلة الأولى وكأنها رُسمت بسرعة ودونما عناية، وبعض كلمات أحيانا، كيف تجعل من ذلك فقط صرخة احتجاج أقوى من كل المانشيتات الصحافية، وأبقى في الذاكرة من كل المقالات؟!

لا أزال أذكر ما حدث ذات صيف في منتصف الثمانينيات، عندما أدلى وزير الخارجية لإحدى الدول الخليجية بتصريح إيجابي جدا في ما يتعلق بالتطبيع مع إسرائيل، الذي كان موضوعا ساخنا حينذاك، وأذكر أن معظم الصحف خرجت في اليوم التالي غاضبة، مستنكرة تصريحات الوزير، وكتبت تعليقات ومقالات عدّة في هذا الصدد، ذهبت كل تلك التعليقات والمقالات الملتهبة مع مرور الزمن مع الريح، ولم يعْلق في الذاكرة منها شيء يعين على استرجاع الحدث، بقي فقط رسم كاريكاتيري وبدون تعليق للفنان العبقري ناجي العلي متعلق بتلك المناسبة! إن هذه هي خطورة الكاريكاتير ومنبع الخلق والإبداع فيه!

والكاريكاتير، هو فن استخدام المجهر للكشف عن التفاصيل وإبرازها، وإعطائها الدلالات الموحية والمؤثرة، فهو القادر على اختراق جميع السواتر الحديدية فوق الوجوه من أجل البحث عن تجعيدة ما، أو انحناءة ما لقراءته وتفسيره.

الكاريكاتير هو مقياس ريختر للزلازل، وهو الزلازل ذاتها...أحيانا!

يخطئ الكثيرون عندما يعتقدون أن الكاريكاتير هو فن استجداء البسمة، وللأسف الشديد أن هذا الفهم هو السائد ليس فقط بين قرّاء الصحف اليومية، بل أيضا بين المسؤولين عن بعض هذه الصحف، وأظن أن ذلك بسبب قلة الوعي بأهمية فن الكاريكاتير وخطورته، وأن قلة الوعي هذه ساهمت في فتح الأبواب على مصاريعها لمن لا يملكون الرؤية المحصّنة بالمعرفة والإدراك، والذين لا يملكون من موهبة فن الكاريكاتير سوى تلك الخطوط الملتوية، وكأنما رُسمت خلال نوبة مغص حاد، وتلك الجمل الطويلة جدا، وثقيلة الظل جدا جدا.

كما أن الكاريكاتير – كما أي فن آخر- بحاجة إلى مناخ عام من الحرية لكي يكون قادرا على الخلق والإبداع والابتكار ومن ثم النطق والتعبير.

لا شك أن لدينا قلة من فناني الكاريكاتير المميزين في الخليج، والذين استطاعوا الإفادة من التجارب العالمية والعربية في مجال الرسم الكاريكاتيري، إلا أننا بحاجة إلى المزيد من هؤلاء، لاسيما أن هناك الكثير من الموضوعات الخصبة في مجتمعنا الخليجي بحاجة الى التناول والطرح من خلال رؤية فنان كاريكاتير مبدع.