الأصوليون على يد المرأة
كان يوماً أسود على الأصوليين، ذلك اليوم الذي نالت فيه المرأة حقوقها السياسية، فقد أصبحت لها قيمة انتخابية بعد أن كانت مهمَّشة، ليتسابقوا في دغدغة مشاعرها وإيهامها بأنهم أكثر الناس دعماً لمصالحها، بعد أن كفروا كل من يصوت لها... متجاهلين أن دعوتهم إلى الحقوق المدنية ما هي إلا دعوة رجعية لإعادة المرأة إلى بيتها كسعيهم إلى حصولها على معاش دون أن تعمل والتقاعد المبكر.
يريد الأصوليون كسب هذه الجولة، تحت ادعاء الحقوق المدنية للمرأة، بعد أن توالت الانتكاسات والهزائم منذ اليوم الذي طالب فيه المسلمون التنويريون برفع جور الاستبداد الأصولي عن المرأة وتحريرها من العبودية، التي تغطت بعباءة الدين، وطالبوا بتعليمها... فأخذ الأصوليون يلطمون ويولولون حين تجاوزهم الحراك الاجتماعي، سامحاً للمرأة بالالتحاق بجامعة القاهرة التي كانت حكراً على الرجال، مستخدمين في ذلك مصطلحات شبيهة بما نسمعه اليوم كالانحلال والانحراف، حتى أصبح تعليم المرأة أمراً واقعاً يقرون اليوم به. العجيب أن بعض النساء في التيار الإسلاموي يستنكر دعوة قاسم أمين (محرر المرأة) وأساتذته الذين لولاهم لما كان لهن أن يتعلمن ويعملن ويتبوأن أعلى المناصب، غير واعيات بفضل هؤلاء في مواجهة المد الأصولي المعادي لآدمية المرأة وحريتها... وما فرض وصايتهم على الرياضة النسائية إلا دليل ساطع... فيقول أمين في رده على اتهامات إفساد الحرية لأخلاق المرأة "إن التجارب المؤسسة على المشاهدات الصحيحة، تدل على أن حرية النساء تزيد في ملكاتهن الأدبية وتبعث فيهن إحساس الاحترام لأنفسهن وتحمل الرجال على احترامهن". نستذكر اليوم، بمرور ذكرى اليوم العالمي للمرأة، جهود روادنا العقلانيين الذين مهدوا لنا الطريق، وها نحن نواصل تحقيق المكتسبات الإنسانية والمواطنية، بعد أن حُرمنا منها ردحاً من الزمن، أهمها كان وصول أربع نساء إلى مجلس الأمة... ليثبتن أنهن أكثر عقلانية وأقل عاطفية من هؤلاء الرجال الذين طالما اتهموهن بقصور عقولهن، إذ رفضن ما ورد في مشروع قانون الحقوق المدنية والاجتماعية الذي يريد إقصاء المرأة لتضاربه مع الدستور (باستثناء حق الرعاية السكنية)، مستنكرات إهمال الاسلامويين قوانين الأحوال الشخصية، وهي الأكثر انتهاكا لحقوقهن، حيث تميز بشكل حاد في حقوق وواجبات المواطنة التي أقرها الدستور، وبعض تلك الانتهاكات على سبيل المثال لا الحصر: حرمان أبناء المواطنات من الجنسية، الأمر الذي خلق واقعاً مريراً لاسيما الضيم الذي تعانيه أمهات البدون بحرمانهن من أبسط الحقوق في وطنهن الذي لا يعرفن غيره، بالإضافة إلى عدم منحهن الحق في الحصول على العلاوة الاجتماعية للأبناء عند الطلاق، ومنع توليهن مناصب في القضاء أو الإفتاء، والظلم الذي يقع عليهن بسبب غياب التشريعات الكفيلة بحمايتهن من العنف الأسري ومن ظاهرة التحرش والمضايقات غير الحضارية المنتشرة في مجتمعنا المحافظ أكثر منها في المجتمعات المنفتحة. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة