عاد رفسنجاني... لم يعد... إنه عاد بالصورة إلى حيث كان يجلس دوما إلى يمين المرشد وإلى جانبه رؤساء القوى الثلاث، كما ظهر في آخر صورة له بمناسبة الاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف أو ما يسمى بأسبوع الوحدة الإسلامية هنا!

Ad

وهو عاد كذلك بالمضمون عندما رفع الفيتو على تعامله مع الحكومة الحالية برئاسة محمود أحمدي نجاد، بل إنه امتدح خطته الاقتصادية الأخيرة الخاصة بمشروع «الدعم الموجه» للمواد الأساسية المثير للجدل حتى في الأوساط البرلمانية المؤيدة لنجاد، معتبراً إياها جراحة ضرورية لابد منها!

لكنه لم يعد تماما بعد، إذ إن الكثيرين من أنصار أحمدي نجاد ينتظرون منه، وبالرغم من إعلان ولائه الصريح مرارا وتكرارا لمرشد الثورة والتزامه الأكيد بسقف القانون والدستور فإنه لم يعلن بعد تبرؤه الصريح من رموز المعارضة «الموسوية- الكروبية- الخاتمية» كما يقولون، وذلك باعتبار أن الأخيرين برأيهم وكذلك بتفسيرهم لآخر خطب المرشد، قد خرجوا على النظام وباتت عودتهم شبه مستحيلة!

ولما كان النظام بنظر هؤلاء قد منح الوقت الكافي للخارجين على القانون ممن رفضوا نتائج انتخابات الرئاسة الإيرانية رغم إعلان نزاهتها من قبل الأطر والآليات الدستورية، وأن أولئك لم يكتفوا بذلك بل لجؤوا إلى الشارع بديلا عن ساحة القانون، والأنكى من ذلك أنهم استساغوا التأييد الأجنبي لهم سواء كان ذلك بالتنسيق المسبق كما يتهمهم البعض أو «بالغفلة التي قد تتساوى مع الخيانة» كما عبر المرشد، فإن المطلوب من رفسنجاني حتى تستكمل عودته هو أن يرفع مظلته عن رموز الفتنة هذه كما يصفونها بشكل واضح وصريح لا لبس فيه.

لكن رفسنجاني بالمقابل، وهو الركن الركين في هيكلية النظام، وهو العارف أيضا بخبايا كثيرة تحصل من وراء الستار في كل العهود والدورات، استخدم أكثر من مرة مصطلح أنه «يشم رائحة المؤامرة على النظام»، وقال إن مجموعة تنفذها باسم أو تحت يافطة حماية النظام والثورة، وهو بالتالي لا يريد أن يصب تبرؤه من المعارضة الرسمية المعلنة لمصلحة ما يعتبره معارضة مضمرة خفية.

وبرأيه أن هذه المعارضة المضمرة والخفية هم ممن لم يكن لهم باع في قيام الثورة يوما، فإذا بهم يتصدرون الأمور في لحظة تاريخية مضطربة، ما يجعله يشكك في مقاصدهم ونواياهم كما يقول.

قد يكون كلام رفسنجاني هذا فيه بعض الصحة وبعض التأمل، لكنه بالتأكيد ليس هو المشهد الرئيس لما يحصل اليوم من حراك عظيم على طول وعرض الساحة الإيرانية الزاخرة بالتحولات.

بالمقابل فإن هؤلاء وغيرهم ممن لا يشك رفسنجاني بولائهم للثورة والنظام، يذكرون رفسنجاني بأن من تقف اليوم داعما أو مساندا لهم بالمباشر أو بالواسطة هم أنفسهم من تآمروا عليك بالأمس القريب واغتالوا شخصيتك أكثر من مرة، والأنكى من ذلك أنهم اليوم باتوا في الأروقة الخلفية يتماهون مع أولئك المشككين بأولويات الثورة والمبادئ الأساسية للنظام والحكم الإسلامي، وفي مقدمتها مقولة ولاية الفقيه والرافضين لحكمية رفيق دربك الذي هو فصل الخطاب اليوم في الواقع، وكما تقول أنت أيضا وتقر.

إنه الاختبار الأصعب البتة الذي يواجهه رفسنجاني اليوم على امتداد عمره الطويل الزاخر بالتضحيات والإنجازات والمواقف النضالية سواء قبل الثورة أو بعدها.

ذلك أن الركيزة الاجتماعية والسياسية والفكرية التي طرحت أحمدي نجاد ممثلا لها كرمز من رموز الجيل الثاني للثورة من أجل إحداث ثورة داخل الثورة بعد ما شاهدته من ترهل هياكلها التقليدية والمستجدة، أي المحافظة منها والإصلاحية، وما يتميز به هذا الرجل من جرأة وجسارة منقطعة النظير في محاججاته واحتجاجاته مع الرعيل الأول للثورة، والحراك الصاخب الذي أولده في الجيلين الثالث والرابع للثورة، وعموم المجتمع الإيراني، جعل من رفسنجاني اليوم أكثر حرجا من أي وقت مضى، وهو صاحب القلب المحافظ، لكنه الذي يريد أن يتنفس برئة إصلاحية كما وصفته يوما، وهو ما استساغه وأيده في حينه.

فرفسنجاني لم يكن يتصور أنه سيأتي عليه يوم سيضطر فيه إلى الدخول في محاججة حول تاريخ نضاله ومسلكياته الحياتية مع رجال لم يعش معهم يوما مشتركا واحدا.

ورفسنجاني أيضا لم يكن ليتصور يوما أنه سيأتي عليه يوم يكون فيه مطالباً بأن يقدم أولاده إلى القضاء لمساءلتهم على مواقفهم الموالية أو الاحتجاجية، وهو المحافظ والإصلاحي معا.

ورفسنجاني لم يكن يتصور أيضا أنه سيأتي عليه يوم يكون فيه مطالباً وبإلحاح وقبل فوات الأوان بالحسم في الاختيار بين قلبه المحافظ ورئته الإصلاحية.

ورفسنجاني لم يكن يتصور أيضا أنه سيأتي عليه يوم يقول فيه رفيق دربه الطويل، إنه وعلى الرغم من احترامه وتقديره الشديد لكل ما أنجزه هذا الرفيق، فإن برمجيات أحمدي نجاد أقرب إليه، وهو الذي قال عنه يوما وهو يصادق على انتخاب الرئيس محمد خاتمي لن يكون هناك أحد أقرب إليّ من مثل رفسنجاني.

إنها مجموعة من المفاجآت التي تمنع العودة الكاملة لرفسنجاني كما يشتهيها البعض، لكنها هي وحدها التي يمكن أن تعيد الصورة النضالية الأصلية والأصيلة لرفسنجاني القادرة على تحريره من ثقل اليمين التقليدي المحافظ وطفولية اليسار الديني المغامر، والذين لن يمنحوه الثقة الكاملة يوما كما لم يمنحوها له في المراحل السابقة، فيما يحتفظ له رفيق دربه بإخلاص ووفاء منقطعي النظير رغم كل ما حصل ويحصل من مفاجآت، وهذا ما يسره هو لزائريه، ويبادل رفيقه الموقف نفسه، وهو ما يعمل رفسنجاني على ترميمه ببطء وتؤدة ويعتقد أنه قادر عليه من دون الحاجة إلى عملية جراحية للنظام كما يعتقد البعض من المحازبين أو المنتفعين والانتهازيين من رجال مائدة امتيازات السلطة.

*الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة