الخصخصة: من مواطنين الى زبائن
![د. بدر الديحاني](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1472378832591788600/1472378876000/1280x960.jpg)
وكما هو معروف، فإن للمواطنين الحق في ملكية المشروعات العامة كافة لأنها مال عام، ولهم الحق أيضاً في مساءلة المسؤولين العموميين وإلزامهم بتقديم سلع وخدمات متطورة تؤدي إلى "رفع مستوى المعيشة وتحقيق الرخاء للمواطنين" كما ينص الدستور مادة (20)، أما الزبائن فلا يملكون شيئاً، بل إن "حقهم" ينحصر في قبول السلعة أو الخدمة التي يقدمها القطاع الخاص كما هي أو رفضها أو حتى حرمانهم منها مع عدم إمكان مساءلة أصحاب رؤوس الأموال لأنهم ليسوا مسؤولين عموميين يمكن أن يخضعوا للمساءلة العامة. بالإضافة إلى ذلك ولإعطاء المزيد من الأدلة على أن مشروع قانون الخصخصة الذي أُقر في مداولته الأولى لم يكن عادلاً ومتوازناً، فإنه يكفي أن نوضح هنا أنه لم يتطرق من بعيد أو قريب إلى موضوع الضريبة على الدخل والأرباح التي يجنيها القطاع الخاص (لا يوجد لدينا الآن قانون للضريبة!)، مع أن كل برامج الخصخصة في العالم تربط بين نقل الملكية والإيرادات التي ستجنيها الدولة من الضرائب التي ستفرضها على القطاع الخاص.أضف إلى ذلك أن مشروع القانون قد أجاز خصخصة التعليم والصحة بقانون (المادة الثالثة)، مع ما سيحمله ذلك من مآس كثيرة لاسيما للطبقات الفقيرة والمتوسطة ومع ما يمثله ذلك من إخلال في الوظيفة الاجتماعية للدولة، وهو ما جعل حتى الدول الرأسمالية الكبرى، مثل أميركا وبريطانيا، تمتنع عن خصخصة قطاعي التعليم والصحة، كما أنه، أي مشروع القانون، قد حصر الخصخصة في مفهومها الضيق (المادة الأولى)، الذي يعني نقل أو تحويل ملكية المشروع العام بشكل كلي أو جزئي، مع أن هناك مفاهيم أخرى للخصخصة تناسب وضعنا المحلي وطبيعة تطورنا الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ومعمول بها حالياً.إن معارضة مشروع قانون الخصخصة لا تعني بأي حال من الأحوال معارضة توسيع دور القطاع الخاص لأن للقطاع الخاص دوراً وطنياً يجب أن يقوم به، على أن يحدد هذا الدور بناءً على عوامل كثيرة من ضمنها طبيعة اقتصادنا كما يحددها الدستور من جهة وحجم القطاع الخاص وطبيعته ووضعه الحالي وحجم السوق والبيئة الاقتصادية والتشريعية من جهة أخرى.ومن المؤسف أن مشروع قانون الخصخصة الحالي قد أغفل هذه العوامل، إذ إنه، على ما يبدو، قد نقل من قوانين دول أخرى رغم أنها تختلف عنا في ظروفها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وعانت، ولاتزال، تبعات تطبيق مثل هذه القوانين المختلة، فهل يتدارك مجلس الأمة ذلك الخطأ في المداولة الثانية قبل أن تقع الفأس بالرأس؟