مع أن "أحداث" إيران لم تأخذ مدياتها المتوقعة بعد، فإنها أدت إلى ما يمكن تسميته اضطراب الحسابات واهتزاز المعادلات في هذه المنطقة، فالقوى وأيضاً الدول التي كانت قد رتَّبت أمورها على أساس أنه لا تغيير في الأوضاع الإيرانية إلى "ما شاء الله"، وأن الخط الذي يمثله محمود أحمدي نجاد باقٍ على ما هو عليه، أصيبت بالارتباك بمجرد أن رأت التظاهرات تحوِّل شوارع طهران إلى طوفان بشري، وبمجرد أن أصبحت تسمع كلاماً لم تسمعه من قبل ضد ولاية الفقيه وضد مرشد الثورة علي خامنئي وضد الصِّيغة التي بقيت قائمة ومستمرة منذ عام 1979.

Ad

هناك ارتباك ظهر بصورة واضحة في صفوف حلفاء إيران وأتباعها بالعراق، ولعل ما جعل القوى والتنظيمات التي تضع كل بيضها في السلة الإيرانية تُصاب بالغثيان السياسي، أن آية الله العظمى علي السيستاني ومعه ثلاثة من كبار مرجعيات النجف، قد اتخذ موقفاً متعاطفاً مع الإصلاحيين الإيرانيين بقيادة مير حسين موسوي، وأظهر ما فُهم على أنه رفض لنظرية ولاية الفقيه، وأنه ضد انخراط المُعمَّمين ورجال الدين حتى الذقون في الحكم والسلطة.

وهناك -إن لم يكُن ارتباكاً- إعادة حسابات في سورية، إذ أظهرت دمشق ليونة واضحة في التعاطي مع الأميركيين، ومزيداً من العجلة لجهة الرغبة في استئناف المفاوضات غير المباشرة مع الإسرائيليين، كما أظهرت وداً تجاه الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) كان مفقوداً منذ سنوات بعيدة.

وهناك أيضاً ما هو أكثر من الارتباك بالنسبة إلى حزب الله، الذي أظهرت تصرفاته وتصريحات قادته ومسؤوليه أن ما حدث في إيران قد فاجأه وجعله في حيرة واضحة من أمره، إذ بادر في البدايات إلى التقليل من أهمية ما جرى واعتبره أمراً عابراً، لكنه ما لبث أن أُصيب بحال من الذهول عندما بدأ يسمع هتافات الجماهير الإيرانية التي تصف محمود أحمدي نجاد بأنه "دكتاتور"، والتي تطالب بتنحية مرشد الثورة علي خامنئي.

ثم هناك أيضاً حركة "حماس" التي كانت وضعت حاضرها ومستقبلها في القاطرة الإيرانية، وكانت تعتقد أن الخط البياني لـ"فسطاط الممانعة " سيبقى في حال صعود مستمر، لكنها فوجئت بأنه ليس الإمبريالية وحدها هي التي نمر من ورق كما قال ماوتسي تونغ ذات يوم، بل إن نظاماً يقوده الولي الفقيه الذي له صفة الأنبياء ومعصوم من الخطأ، هو أيضاً نمر من ورق، وأن ما جرى يشير إلى أن لحظة التغيير قد اقتربت وأنها لم تعُد بعيدة.

ربما يصمد النظام الإيراني بصيغته الحالية عاماً أو عامين أو أكثر، والمؤكد أن محمود أحمدي نجاد سيتربع مرة أخرى على كرسي رئاسة الجمهورية وأن الانتخابات لن تُعاد، لكن المؤكد أن هذا الذي جرى سيفرض على هذه المجموعة الحاكمة إعادة النظر في سياساتها وتحالفاتها الخارجية، وسيجعلها تعيد النظر في علاقاتها مع "حماس " و"حزب الله" وبعض القوى والأحزاب المذهبية العراقية، ومع دول عربية معروفة وبعض دول أميركا اللاتينية.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء