يتوجب القول أولاً، إن النزهة طريق مختصر، للتفكير في شيءٍ ما، وعلى عادة المشائين الكبار، لن يوقف شيءٌ، شاعراً ينوي الوصول إلى نقطة اللاعودة، الى ما وراء الأفق. لكن ما الذي سيكتشفهُ هناك. لِمَ يرمي برأسهِ الى الخلف وينظر بعينين ضيقتين ويرتد مرعوباً، كما لو كان يتطلع الى جبال الأرض وهي تنهار أمامه دفعة واحدة. أكان ينظر الى داخله؟ أكان يستمتع بنزهةٍ في حديقةٍ داخلية، مسوّرة بما هو أكثر من الكآبة؟

Ad

كان الشاعر ينظر الى ما وراء الأفق لكنه لم يكُن يرى شيئاً، ولكي يكتب سيلزمه أن ينظر الى داخلهِ، أن يطل الى الحديقة المخبوءة هناك حيث ستنبثق بعد قليل صرخة مسموعة بوضوح.

حسناً، كيف سيكتب الشاعر عن صرخةٍ بينما «الثابت انه كلما طالت الصرخة فقدت معناها»، كما يقول جورج حنين.

تذكر الشاعر لوحة الصرخة للفنان النرويجي إدوارد مونك، التي رسمها عام 1893، وتمثل اللوحة مشهداً في مدينة نورد ستراند النرويجية، فجأة قفزت في خياله كلمات مونك:

«كنتُ أسير في أحد الأيام برفقة صديقيّ وبدأت الشمس تغيب وفجأة تحوّل لون السماء الى أحمر قانٍ، توقفتُ بعد أن شعرتُ بالتعب وأسندتُ جسمي على سياج، أكمل الصديقان سيرهما، وقفتُ وحيداً أرتجف من الخوف فشعرتُ أن صرخةً لا تنتهي تمّر عبر الطبيعة».

أحسّ الشاعرُ أنه غيرُ قادر على الامساك بموضوع ما، كل شيءٍ يفلتُ منه، في هذه اللحظة بالذات عند الانقلاب المفاجئ للنفَس تتحول ذاكرته الى ما يشبه الرماد. تذكر طفولته فوجدها بعيدة، أحس برجفة برد تسري في عظامه. يكتب عن الموت؟ فكر الشاعر، وقال:

لكي أكتب عن الموت ينبغي أن أحيا من جديد، الموت صيغة لتخيّل الزمن تحت تهديد مفاجئ، من بعيد يسمع الشاعر كلام الأموات، كان الهواء يحمل كلام أصدقائه الموتى وينثره في اتجاهات أربع، كان الكلام متقطعاً، حزيناً، ومشوشاً. شعر الصدمة وقال:

لن أفك هذا السحر حتى أجد الزهرة في فم الأفعى، ثم تذكّر أن جلجامش مات منذ عصور سحيقة.