الزيت والماء
تسببت شركة بي بي في كارثة بيئية وضعت القدرات التقنية الأميركية والبريطانية على المحك، فمنذ أكثر من خمسين يوماً حتى الآن والنفط يختلط بالماء في خليج المكسيك، ويكاد يتسبب في أكثر كارثة بيئية تعرفها الولايات الأميركية حتى الآن. لقد تعطلت حياة الناس وأصاب التلوث النفطي الحياة المائية والمجتمع الذي يعتاش على خيرات الخليج، ووقف الرئيس الأميركي هادئاً بارداً ومنضبطاً، وهو ما أثار حفيظة الرأي العام الأميركي الذي طالبه بإبداء شيء من الغضب تجاه الكارثة.ليست الكارثة بحد ذاتها سبب كتابة المقال، وليس لأنها ذكرتني بكارثة سابقة في الخليج العربي تسبب فيها النظام العراقي السابق، وهي كارثة كلفت البلاد والعباد تداعيات مستمرة حتى يومنا. فلم تقتصر جريمة النظام العراقي على إهراق النفط في الخليج وتلويث مياهه، إنما أيضاً إحراق آبار النفط وتلويث الأرض والهواء. ولكن السبب الحقيقي هو علاقة الفنان الأميركي بما يحيط ببلده من كوارث، ودوره في العمل الجاد للتصدي لهذه الكوارث دون أن أعلق على الفنان العربي، لأن في ذلك مضيعة للوقت والجهد.
الممثل والمخرج كيفن كوستنر، الذي قدم لنا صورة مغايرة للهندي الأحمر في فيلم رقصات مع الذئاب، ونقل ما يزعزع الصورة النمطية للهندي الأحمر التي اعتادت السينما الأميركية أن تزرعها في أذهان العامة، يقدم هذا الفنان جهازاً تم تصميمه بمساعدة شقيقه لفصل النفط عن الماء، واستثمر فيه كوستنر ما يقارب الثلاثين مليون دولار. نصح كوستنر حماة البيئة الأميركيين بأن الجهاز الذي تم تصميمه للكوارث الصغرى بإمكان شركة بي بي تطويره لحل مشكلتها البيئية. ولكن الشركة لم تهتم بالعرض الذي قدمه كوستنر، وتم تصويره لإثبات جدية الاختراع. لن أختلف مع من يعتقد أن كوستنر يقدم حلاً يستفيد منه مادياً، ولكني أذكر بأن المستفيد من حل كوستنر هو شركة هدفها مادي بالدرجة الأولى، وأن تجد حلاً يقدمه مخرج فإن ذلك يشبه حلاً يقدمه عالم بيئة أو مصنع تقني. والأهم أن كوستنر لم يقف معلقاً على الحدث أو منتقداً إياه، بل تقدم بحل أنفق عليه دون أن يعلم إن كانت شركة بي بي ستشتريه منه أم لا.الرجل الثاني الذي جاء إلى خليج المكسيك متعاطفاً ومنتقداً موقف باراك أوباما من الشركة العملاقة هو المخرج سبايك لي. لم يقدم سبايك لي حلاً كزميله كوستنر، ولكنه جاء مسجلاً ما يحدث كوثيقة تاريخية، بعد أن عرف أن الشركة تقوم بطرد المصورين، وهو عمل لا يقل أهمية عن عمل زميله.الرجل الثالث الذي جاء يحمل حلاً مشابهاً لحل كوستنر هو المخرج العبقري جيمس كاميرون، صاحب تايتنك وأفاتار، ويعترف أولاً بأن الحكومة الأميركية لم تلجأ إلى هوليوود بحثاً عن حل للكارثة الأكبر في تاريخ أميركا، ولكن نحن من تطوع لتقديم الحل كما يقول. اجتمع كاميرون، وهو ناشط بيئي، مع مجموعة من الخبراء لتقديم عرض لأعضاء "بي بي" بحكم خبرته في أعمال الهندسة والغوص، ولكن رجال الشركة رفضوا عرضه، مؤكدين له أن جميع ما عرضه عليهم هم على دراية به.يبدو أن الشركة قد يحرجها أن مخرجي السينما تفوقوا بحلولهم على مهندسيها وخبرائها، وهو ما يجعلها ترد العروض التي قدمت إليها من مخرجي هوليوود. الغائب الوحيد عن حفل الحلول هو السيد آل غور الناشط البيئي الذي اهتم بأطروحات الاحتباس الحراري، وكان يطلب أكثر من مئة ألف دولار للمحاضرة الواحدة على ذمة أستاذي جراهام سمارت!