جئنا مِن الصّحراءْ

Ad

يَسوقُنا حَرُّ الصّدى

والجوعُ والإعياءْ.

مُخلِّفينَ خَلْفَنا هَيَاكِلَ الآباءْ

تكتبُ سَطرَ مَجْدِها

في الُفسَحِ السّوداءْ

بينَ سُطورِ غَزوَةٍ وغزوةٍ

فداءَ كلبٍ أبتَرٍ

أو ناقةٍ جَرْباءْ!

**

جِئنا وفي أعماقِنا

شوقٌ إلى الرَّواءْ

والدِّفءِ والضِّياءْ

والأمْنِ والهَناءْ

والبُعدِ عن شَريعةٍ مَسعورةٍ عمياءْ

الكَونُ في تعريفِها: رَحَى دمٍ

وقُطْبُهُ في عُرْفِها: مَن يَسفِكُ الدِّماءْ!

في البُعدِ لوَّحَتْ لَنا

مَدائِنٌ حانِيَةٌ

ونَفَّضَتْ غُبارَنا بالأَذرُعِ الخَضراءْ.

وَجَفََّفَتْ جِراحَنا

وَرَطّبَتْ أرواحَنا

وَهَيّأتْ مائِدةً مِن كُلِّ ما نَشاءْ.

وَهَذَّبتْنا أَمَداً

وَرتَّبت أيدينَا واخترعتْ مِنها يَداً

وَلَمْلَمَتْ سَقْطَ بقايانا وخاطَتْ بَلَداً..

لكنّنا لَمْ نَتَمَدَّنْ أَبَداً.

بَلْ هِيَ قد صارتْ بِنا

جُزءاً مَنَ الصّحراءْ!

لإِنّنا جِئنا وكُلُّ جَهْلِنا

في دَمِنا قد جاءْ.

جِئنا وتحتَ جِلدِنا

جاءَ ابنُ حربٍ مَعَنا

وابنُ أبي الهَيجاءْ.

وَظَلَّ ظِلُّ الفَحْلِ في أعناقِنا

نحمِلُهُ كالخَرزةِ الزّرقاءْ.

حَتى إذا أساءْ.

حتّى إذا بالَغ في إفنائِنا

بِحُجَّة الإحياءْ!

حتّى إذا لاحَ شرِاعُ جُرْمِهِ

مُلَثّماً بالشِّرعةِ السّمحاءْ

ما دامَ فَحْلاً

فَليكُنْ كُلُّ الورى إماءْ

وَلْتصْعَدِ الأرضُ إلى بارئِها

وَلْتَسقُطِ السَّماءْ!

**

مُنذُ قرونٍ لَمْ نَزَلْ

نَدورُ في مَتاهَة دَليلُها الأخطاءْ.

ماتَ الهواءُ فَوقَها مُختنِقاً

وَجَفَّ ريقُ الماءْ!

مُنذُ قرونٍ لَمْ نَزَلْ

نَسعى لِسِتْرِ عِرْضِنا

خَلْفَ فُحولٍ هَتَكوا أحلامَنا العَذراءْ.

مَن كاملُ العقلِ بِهمْ؟

مَن كامِلُ الدِّين بِهمْ؟

وأيُّهُمْ يَزعُمُ أَنّهُ التقى

ولو بَمَحْضِ صُدفَةٍ.. بِخَصْلَةِ الحَياءْ؟!

**

نَبحَثُ في تارِيخنا

عن صفحةٍ لآدمٍ

تخلو من الأرزاءْ

فلا نرى في الصّفحاتِ كلِّها

من صفحةٍ ناصعةٍ

إلّا لَدَى حَوّاءْ!

تلوحُ في الآلِ لنا

كرامَةُ (الزَّبّاءْ).

تَرفَعُ (بلقيسُ) لنا حُريّةَ الآراءْ.

تَحملُ (أروى) ماءَها لِرِيِّنا.

تَمنَحُنا أسماءَنَا (أسماءْ).

يَبكي صرْاخُ صَمْتِنا

وَتضحَكُ الأصداءْ:

فِدى صَدَى أسمائِكنَّ وَحْدَها

طُغاتُنا الأمواتُ والأحياءْ.

**

ربِّ متى عَن ظَهرِنا

سينزلُ الغَباءْ

لِنَستعيدَ نُطْقَنا وَنعرِفَ الإصغاءْ؟

مَتى عُيونُ الأرضِ تبكي فَرَحاً

وَيَستحيلُ شَوكُنا حديقةً غَنّاءْ؟

متى سَيُرمى لَيلُنا البائِتُ في مَزبلةٍ

وَتوضعُ الشّمسُ على مائدةِ المَساءْ؟

مَتى مَناجِلُ الضُّحَى

تَحصِدُ غاباتِ اللِّحَى

لِكَيْ تَرى أعيُنُنا مَلامِحَ الأشياءْ؟

رَبِّ مَتى

رَبِّ مَتى.. سَتحكُمُ النِّساءْ؟!